وليس لأحد أن يقول : إنّ ذلك إنّما كان لانعكاس الشعاع عن بعض سطوح تلك الأجزاء الجمدية إلى بعض.
لأنّا نقول : هذا لا يقدح في غرضنا ؛ لأنّ الذي ذكرته ليس إلّا بيان العلّة التي لأجلها نرى الثلج أبيض مع أنّه في نفسه ليس بأبيض ، ونحن ما سعينا إلّا لهذا القدر.
وأيضا الزجاج المدقوق نراه أبيض ، مع أنّ كلّ واحد من أجزائه شفاف خال عن اللون ، ولم يحدث فيما بينها كيفية مزاجيّة ؛ لأنّ تلك الأجزاء صلبة يابسة لم يحصل فيما بينها فعل وانفعال.
وأيضا نرى موضع الشقّ من الزجاج الثخين الشفاف أبيض ، مع أنّه ليس هناك إلّا الهواء المحتقن في ذلك الشقّ ، والهواء غير ملوّن والزجاج غير ملون ؛ فعلمنا أنّا نرى الشيء ملونا مع أنّه في نفسه غير ملون.
فثبت بهذه الوجوه أنّ حكم الحس قد يكون باطلا وقد يكون حقا. وإذا كان كذلك لم يجز الاعتماد على حكمه ، إذ لا شهادة لمتّهم ، بل لا بدّ من حاكم آخر فوقه ليميّز خطأه عن صوابه. وعلى هذا التقدير لا يكون الحس هو الحاكم الأوّل ، وهو المطلوب.
قال أفضل المحققين : البياض إنّما يتكون بتعاكس الضوء من (١) سطوح أجسام مشفّة ، والجمد والزجاج مشفّان ولإشفافهما ، كان لهما ضوء ، ومتى كانا ذوي سطح واحد لم يمكن تعاكس ضوء منهما ، فإذا تكثرت السطوح بكسر وشبهه تعاكس الضوء من بعضها إلى بعض فحدث البياض. (٢)
__________________
(١) في المصدر : «بين».
(٢) نقد المحصل : ٢٥.