الوجه الخامس (١)
إنّ أجلى البديهيات : العلم بأنّ الشيء إمّا أن يكون وإمّا أن لا يكون ، ثمّ إنّ هذه القضية غير يقينية ، وإذا لم تكن أقوى البديهيات يقينيا فالأضعف أولى.
أمّا الصغرى ، فلأنّا رأينا المعوّلين على البديهيات يذكرون لها أمثلة أربعة :
الأوّل : النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان.
الثاني : الكلّ أعظم من الجزء.
الثالث : الأشياء المساوية لشيء واحد متساوية.
الرابع : الجسم الواحد لا يكون في الآن الواحد حاصلا في مكانين معا.
ولا شكّ أنّ هذه الثلاثة الأخيرة متفرعة على الأولى.
أمّا قولنا : «الكلّ أعظم من الجزء» ، فلأنّه لو لم يكن كذلك لكان وجود الجزء الآخر وعدمه بمثابة واحدة ، فحينئذ يجتمع في ذلك الجزء الآخر كونه موجودا معدوما معا.
وأمّا قولنا : «الأشياء المساوية لشيء واحد متساوية» ، فلأنّه لولاه لكان الألف المحكوم عليه بأنّه يساوى السواد سوادا لا محالة ـ لأنّ الشيئين المتساويين مطلقا تكون ماهيتهما واحدة ـ ومن حيث إنّه محكوم عليه بأنّه يساوى ما ليس بسواد يجب أن لا يكون سوادا ، فلو كان الألف مساويا للأمرين لكان الألف في نفسه سوادا وأن لا يكون سوادا ، فيجتمع فيه النفي والإثبات.
وأمّا قولنا : «الجسم الواحد في الآن الواحد لا يكون في مكانين» ، فإنّه لو جاز ذلك لكان ذلك الجسم الحاصل في مكانين غير متميّز عن الجسمين
__________________
(١) من الوجوه التي تمسك بها اللاأدريِة على مدعاهم. راجع نفس المصدر : ٢٧.