الحاصلين في مكانين فحينئذ لا يتميز وجود الجسم الآخر عن عدمه ، فيصدق عليه أنّه موجود معدوم معا ، وهو محال.
لا يقال : لا نسلّم أنّ هذه القضايا الثلاثة متفرعة على الأولى ، وإلّا لم يحصل الجزم بها إلّا عند اعتبار القضية الأولى ، وليس كذلك ؛ فإنّ كلّ عاقل يعلم بالبديهة حقيّة هذه القضايا وإن لم تحضر (١) بباله تلك الحجة الدقيقة التي ذكرتها في بيان ردّ هذه القضايا إليها.
لأنّا نقول : لا نسلّم أنّ حكم العقلاء بهذه القضايا غير موقوف على الحجة التي ذكرناها ، ولهذا لو سئلوا عن سبب جزمهم بها ، لقالوا : لو لم يكن الكلّ أعظم من الجزء وأكبر (٢) منه لم يكن للجزء الآخر أثر البتة. ولو كان الشيء الواحد مساويا للأمور المختلفة ، لكان مخالفا لنفسه. ولو كان الجسم الواحد في مكانين لم يكن واحدا بل كان اثنين. وهذا الذي يعتذرون به في سبب جزمهم ، هو بعينه ما ذكرناه من الحجّة. نعم قد لا يمكنهم التعبير عن تلك الحجّة على الوجه الذي لخّصناها ، ولكن معناها مقرر في عقولهم ، والعبارة لا عبرة بها.
فقد ظهر أنّ أجلى البديهيات قولنا : «النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان».
وأمّا الكبرى ، وهي أنّ هذه القضية غير يقينية فلوجوه :
أ : هذا التصديق موقوف على تصوّر أصل العدم ؛ لأنّ الحكم عليه بأنّه لا يجامع الوجود في الصدق والكذب مسبوق بتصوّره ، لما عرفت من مسبوقية التصديق بالتصوّر ، لكن الناس قد تحيروا فيه. وزعم أكثرهم أنّه غير متصور ، لأنّ المتصوّر لا بدّ وأن يكون متميزا عن غيره بالضرورة ، وكلّ متميز عن غيره فله تعيّن
__________________
(١) كذا ولعلّه يخطر.
(٢) ج : «أزيد».