في نفسه وتخصيص (١) ، وكلّ متعيّن في نفسه فهو ثابت ، فكلّ متصور ثابت في نفسه ، وينعكس عكس النقيض إلى قولنا : كلّ ما ليس بثابت ليس بمتصور فالمعدوم غير متصور ، وإذا كان ذلك التصديق متفرعا على هذا التصور ، وكان هذا التصور ممتنعا ، كان ذلك التصديق ممتنعا.
لا يقال : المعدوم المتصور ، له ثبوت في الذهن وتميّز وتعيّن فيه ، وهو كاف في الحكم عليه ، فإنّ المحكوم عليه لا يجب أن يكون ثابتا في الخارج ، بل يكفي فيه الثبوت الذهني. وأيضا قولنا : «المعدوم غير متصور» ، حكم على المعدوم بأنّه غير متصور ، والحكم على الشيء يستدعي كون المحكوم عليه متصورا ، فلو لم يكن المعدوم متصورا ، لامتنع الحكم عليه بأنّه غير متصوّر.
لأنّا نجيب عن الأوّل : بأنّ الثابت في الذهن أحد أقسام مطلق الثابت ؛ لانقسام مطلق الثابت إلى الثابت في الذهن ، والثابت في الخارج. والكلام وقع في تصوّر مقابل مطلق الثابت ، وذلك المقابل يستحيل أن يكون ثابتا بوجه ما ، وإلّا لكان داخلا تحت مطلق الثابت ، وحينئذ لا يكون قسيما له ، بل قسما منه.
وعن الثاني : بأنّ ما ذكرته ليس جوابا عن دليلنا على «أنّ المعدوم غير متصور» ، بل هو إقامة دليل ابتداء على أنّ المعدوم متصوّر ، وذلك يقتضي معارضة دليلين قاطعين في مسألة واحدة ، وهو أحد الدلائل القادحة في البديهيات.
قال أفضل المحققين : لو كانت الثلاث الأخيرة من القضايا الأربع متفرعة على الأولى ، لكانت نظرية غير بديهية ، لكنّهم عدّوها في البديهيات ، فعلمنا أنّ اعتمادهم في الحكم بصحتها على بديهة العقل ، لا على مقدمة أخرى.
وبيان الردّ في قولنا : الكلّ أعظم إليها ، مبني على كون الكلّ هو الجزء مع زيادة ، ولا نعني بكون الكلّ أعظم من الجزء إلّا هذا ، فهو لو كان حجة على ثبوت
__________________
(١) ج : «تخصص».