يشير العقل إليها فالعقل يمكنه رفعها ، وإلّا لم يكن له مقابل ، فلا يكون للعدم مقابل ، فيلزم نفي الوجود ؛ لأنّه المقابل للعدم ، وهو محال. فثبت إمكان رفع هويّة العدم ، لكن ارتفاع تلك الهوية ارتفاع خاص داخل تحت مطلق الارتفاع الشامل لارتفاع الهوية ولارتفاع كلّ ما عداها. وإذا كان ارتفاع هوية العدم داخلا تحت مطلق الارتفاع كان قسيم العدم قسما منه ، هذا خلف.
اعترض أفضل المحققين : بأنّ الحكم باستدعاء الامتياز أن تكون للممتازين هويتان ممنوع ؛ فإنّ الهويّة واللاهويّة ممتازتان وليس للاهويّة هويّة ، ولو فرضنا للاهوية هوية كانت بذلك الاعتبار داخلة في قسم الهويّة ، وباعتبار ما فرض له هذا الاعتبار قسيما للهوية. وكذلك القول في رفع العدم ، ولا يلزم الخلف. (١)
ج : لو سلّمنا الامتياز ، لكن النفي والإثبات قد يكون المراد منهما ثبوت الشيء في نفسه وعدمه في نفسه ، كقولنا : السواد إمّا أن يكون موجودا وإمّا أن لا يكون. وقد يكون المراد منهما ثبوت شيء لشيء آخر وعدمه عنه ، كقولنا : الجسم إمّا أن يكون أسود وإمّا أن لا يكون.
أمّا الأوّل : فمن المعلوم بالضرورة أنّ قولنا : السواد إمّا أن يكون موجودا أو معدوما ، لا يمكن التصديق به إلّا بعد تصوّر قولنا : السواد موجود ، السواد معدوم ، لكن كلّ واحد منهما باطل. أمّا الأوّل : فلأنّا إذا قلنا : السواد موجود ، فإمّا أن يكون كونه سوادا هو نفس كونه موجودا ، أو مغايرا له. فإن كان الأوّل كان قولنا : السواد موجود ، جاريا مجرى قولنا : السواد سواد والموجود موجود ، ومعلوم أنّه ليس كذلك ؛ لأنّ هذا الأخير هذر والأوّل مفيد (٢).
__________________
(١) نقد المحصل : ٣٠.
(٢) كذا.