وإن كان الثاني فهو باطل بوجهين :
الأوّل : إذا كان الموجود قائما بالسواد ، فالسواد في نفسه ليس بموجود ، وإلّا لعاد البحث فيه ولكان الشيء الواحد بالاعتبار الواحد موجودا مرّتين ، وإذا كان كذلك كان الوجود قائما بما ليس بموجود ، لكن الوجود صفة موجودة ، وإلّا لثبت التوسط (١) بين الموجود والمعدوم وأنتم أنكرتموه ، فحينئذ تكون الصفة الموجودة حالّة في محلّ (٢) معدوم. وذلك غير معقول ، إذ لو جاز ذلك لجاز أن يكون محلّ هذه الألوان والحركات غير موجود ، وذلك يوجب الشكّ في وجود الأجسام ، وهو عين السفسطة.
الثاني : إذا كان الوجود مغايرا للماهية كان مسمّى قولنا : السواد ، غير مسمّى قولنا : موجود. فإذا قلنا : السواد موجود بمعنى أنّ السواد هو الموجود ، كان ذلك حكما بوحدة الاثنين ، وهو محال.
فإن قلت : ليس المراد من قولنا : السواد موجود هو أنّ مسمّى السواد مسمّى الموجود ، بل المراد منه أنّ السواد موصوف بالموجودية.
قلت : فحينئذ ينقل الكلام إلى مسمّى الموصوفيّة ، فإنّه إمّا أن يكون مسمّى السواد وهو مسمّى الموصوفية بالوجود ، فحينئذ يكون قولنا : السواد موصوف بالوجود جاريا مجرى قولنا : السواد سواد. وإمّا أن يكون مغايرا له ، فالحكم على السواد بأنّه موصوف بالوجود حكم بوحدة الاثنين.
إلّا أن يقال : المراد من كون السواد موصوفا بالوجود أنّه موصوف بتلك الموصوفية وحينئذ يعود التقسيم في تلك الموصوفية الثانية ، فإمّا أن يتسلسل ، وهو
__________________
(١) في عبارة الرازي : «المتوسط».
(٢) قال أبو جعفر النيسابوري : «الحال : ما وجد بحيث المتحيّز. والمحلّ : هو المتحيّز. وقيل : المحلّ ، ما حلّه غيره». الحدود : ٣٦.