وذلك يقدح في البديهيات.
قلنا : إنّما نعني بالبديهي ما يكون مجرّد تصوّر طرفيه كافيا في جزم الذهن بنسبة أحدهما إلى الآخر ، ومثل هذه القضايا لا يقع فيها الاختلاف. نعم الخلاف يقع لعدم تحصيل المفهوم من الطرفين.
قوله : النظريات لازمة للضروريات فيستدل لعدم النظرية على عدم الضرورية.
قلنا : لا نزاع في أنّ عدم حصول العلم النظري لعدم حصول شيء من الضرورية (١) المنتجة (٢) له ، ولكن لم قلتم : إنّ الضروري إذا أمكن عدم حصوله فانّه يصير نظريا ، فانّ العلم بنسبة أمر إلى أمر ـ إيجابا أو سلبا ـ مشروط بحضور حقيقة المنسوب والمنسوب إليه في الذهن لسبق التصور على التصديق ، لأنّه شرطه ، وحضور التصورات في الذهن غير واجب ، فقد يغفل الإنسان عن العلوم الضرورية كما يغفل عن النظرية ، إلّا أنّ الفرق أنّ مع تصوّر المفردات في الضروري يجب الجزم دون النظري ، فإنّ من تصور حقيقة الواحد والاثنين والنصف استحال منه أن لا يحكم بأنّ الواحد نصف الاثنين ، ومن تصوّر الحادث والعالم لم يكفه في الجزم بكون العالم حادثا ، فقد اشترك الضروري والنظري في إمكان الذهول عنهما ، وافترقا في استلزام التصوّر للتصديق في الضروري وعدمه في مقابله. فإذن لا يلزم من الذهول عن الضروريات كونها نظرية ، ولا حاجتها إلى النظريات ؛ لأنّ المحتاج إلى النظر هو الذي لا يكون تصديقه لازما لتصوره.
فإن قيل : لمّا جوزتم الذهول عن العلوم الضرورية ، هل تجوّزون حصول اعتقادات مناقضة لها؟
__________________
(١) أي عدم حصول مباديه البديهية.
(٢) ق : «النتيجة».