تابعة للإدراكات.
والجواب : قد اختلف العلماء في أنّه هل يجوز المناظرة معهم؟ والمحقّقون اتّفقوا على أنّها غير جائزة ؛ لأنّ المعنى من المناظرة استفادة العلم بالمجهول بواسطة أمور معلومة ، ثمّ لا يجوز أن يتوقف حصول العلم بكلّ شيء على العلم بشيء آخر ، وإلّا لزم افتقار كلّ علم إلى علم آخر سابق عليه فيدور أو يتسلسل. والفطرة شاهدة بأنّ مناظرة الإنسان ونظره ليس كذلك. ولو سلم الدور والتسلسل ، لكن لا بدّ وأن تفرض هناك علوم غير متناهية يلزم البعض من البعض ، فلزوم الشيء عن ملزومه ليس بتوسط ثالث ، وإلّا لم يكن الملزوم ملزوما ، وإذا لم يكن لزوم كلّ واحد منها عن ملزومه بواسطة شيء آخر كان العلم بلزوم كلّ منها عن ملزومه غير موقوف على الدليل ، بل يكون حاصلا بالضرورة. فثبت أنّ المناظرة لا بدّ فيها من علوم ضرورية لا يتوقف حصولها على الاستدلال وإذا كان كذلك استحال إثباتها بالنظر والاستدلال ، فثبت أنّه لا يجوز المناظرة مع السوفسطائية.
نعم نعدّ عليهم أمورا لا بدّ من الاعتراف بثبوتها حتى يظهر كذبهم ، مثل أن يقال لهم : هل تميزون بين الدخول في النار وبين الدخول في الماء؟ وهل تميزون بين الضرب وعدمه؟ وهل يميزون بين مذهبهم وبين ما يناقضه؟ فإن قالوا : لا نميز ، فقد ظهر مكابرتهم وحينئذ لا يقابلون إلّا بالضرب والتعذيب ، وإن اعترفوا بطلت سفسطتهم والشبه التي ذكروها.
فالصحيح أنّها لا تستحق الجواب ؛ لأنّ الجواب عبارة عن بيان الخطأ الذي لأجله وقع الغلط في المطلوب ولمّا استحال وقوع الغلط في المطلوب ، لم تكن الشبهة مستحقة للجواب ، ومع ذلك فليتكلّم فيها.
وأمّا قوله كلّ واحدة من الفرق ادّعت الضرورة فيما كذبها فيه خصمها ،