صفة مغايرة للذات العاقلة. بل نجعل هذا مبدأ برهان أقوى.
فنقول : إدراك الشيء لذاته زائد على ذاته ، وإلّا لكانت حقيقة الإدراك هي حقيقة ذاته وبالعكس ، فكان لا يثبت أحدهما إلّا إذا ثبت الآخر ، لكن التالي باطل ، فالمقدّم مثله. فإدراك الشيء لذاته زائد على ذاته ، وذلك الزائد يستحيل أن تكون صورة مطابقة لذاتها للبرهان المشهور ، فهو أمر غير مطابق لذاته زائد على ذاته ، وذلك الغير المطابق إن كان له نسبة وإضافة إلى ذاته فذاته إنّما صارت معلومة لأجل تلك النسبة ، فالعلم هو تلك النسبة ، وإن لم تكن له نسبة وتلك الصورة غير مطابقة له ولا مساوية في الماهية ، لم يصر ذلك الشيء معلوما أصلا ؛ لأنّ حقيقته غير حاضرة ، ولا نسبة للذهن إليه ، فالذهن منقطع الاختصاص بالنسبة إليه ، فاستحال أن يصير معلوما. (١)
وفيه نظر ، فإنّ وصف العاقلية ووصف المعقولية لذات العاقل واحد بالذات وإن غايره بالاعتبار فانّ كون الذات عاقلة لنفسها هو بعينه في الحقيقة كونها معقولة لنفسها ، وهنا لا يمكن أن نحكم على الشيء بكونه عاقلا لذاته ونغفل عن كونه معقولا لذاته ولا بالعكس وكلما ثبتت إحداهما ثبتت الأخرى ، ولا يثبت للشيء كونه عاقلا لذاته إلّا إذا ثبت كونه معقولا لذاته وبالعكس. فبطل استدلاله على التغاير ، وعدم التقويم بإمكان الانفكاك. واستدلاله على تغايرهما عند تعدد الذات بتغايرهما عند وحدتها لو عكسه لكان أجود هنا (٢) وإن كان ما ذكره أولى (٣) ، لكنّه لا نسلم له ، إذ لم يظهر التغاير مع وحدة الذات حتى يستدل به على التغاير مع الكثرة. نعم لما ثبت التغاير مع الكثرة ثبت مع الوحدة ، لأنّ
__________________
(١) انتهى كلام الرازي من المصدر السابق ، وقد ردّه المصنّف.
(٢) أي اثبات التغاير بين العاقلية والمعقولية عند تعدد الذات أسهل من اثباته عند وحدة الموصوف.
(٣) وجه الأولوية : انّه متى ثبت التغاير مع وحدة الذات ، ثبت مع تعدد الذات بالأولوية ؛ لتغاير الموضوع في صورة التعدد ، مضافا إلى التغاير الموجود في الصورتين.