إلى ماهية واحدة حتى كانا اسمين لمسمّى واحد ، لا جرم متى ثبت المفهوم من أحدهما ثبت المفهوم من الآخر ، ولما كان الإنسان متقوّما بالحيوان استحال أن نعقل ماهية الإنسان إلّا إذا عقلنا ماهية الحيوان أوّلا. ولما ثبت تغاير الصفتين أمكننا أن نفهم ماهية العاقلية عند الذهول عن ماهية المعقولية ، وكذلك بالعكس ، وإذا ثبت تغايرهما عند ما يكون العاقل والمعقول واحدا ، وجب تغايرهما عند ما يكون العاقل والمعقول متعددا ؛ لأنّ الصفتين إذا ثبت تغايرهما في موضع ثبت تغايرهما في كلّ المواضع ، كالسواد لما خالف الحركة في الماهية ، كانت تلك المخالفة (١) حاصلة في كلّ المواضع.
وقوله : «إنّه يستحيل أن يعقل من الشيء كونه عاقلا لذاته إلّا إذا عقل منه كونه معقولا لذاته» ، فنقول : هذه الملازمة لا تمنع من اختلاف المعلومين ، فإنّ العلم بالأبوة ملازم للعلم بالبنوّة وإن كان المعلومان مختلفين في ذاتيهما ، فإنّا لو فرضنا كون الشيء محركا لذاته فالعلم بالمحركية والمتحركية هناك متلازمان مع أنّه لا يلزم أن يكون مفهوم المحركية هو بعينه مفهوم المتحركية. فظهر أنّ كون الشيء عاقلا مغاير لكونه معقولا.
نعم الذات التي عرضت لها العاقليّة هي بعينها الذات التي عرضت لها المعقولية ، وأمّا كونه عقلا يغاير كونه معقولا وكونه عاقلا فهو أظهر ، لأنّا قد نعرف من الشيء أنّه عاقل لذاته ومعقول لذاته وإن كنّا نشكّ أنّ ذاته هل هو ذلك التعقل أو مغاير له؟ وهو يدل على المغايرة. ولأنّ التعقل حالة إضافية وهو يوجب مغايرتها للذات ، بل لما اعتقد القوم أنّ التعقل هو الحضور ثمّ عرفوا أنّه لا يمكن أن يحضر عند الذات منها صورة أخرى زعموا أنّ وجود تلك الذات هو التعقّل ، وليس كذلك ، لما بيّنا أنّ التعقل حالة إضافية فوجب الحكم بأنّ العاقلية
__________________
(١) ق : بزيادة «الحركة» قبل «المخالفة».