حينئذ فاقدا لها ، وإلّا لزم تحصيل الحاصل ، فلا تكون المعرفة حاصلة حالة الفكر ولا مقارنة له ، فالمقدّم مثله.
وأمّا بيان الشرطية : فلأنّ المعرفة إذا كانت محتاجة إلى الفكر فإمّا أن تكون محتاجة إلى وجوده أو عدمه ، فإن كان الأوّل وجب اقترانهما في الوجود ، وإن كان الثاني لم يكن عدمه منافيا لوجوده ؛ لأنّ الشرط لا ينافي المشروط.
وأيضا النفس الناطقة محلّ التعقلات والإدراكات الكلّية ، والسبب الفياض عام الفيض ، فإذا كانت النفس بعد الموت باقية وجب حصول تلك المعرفة ؛ لأنّ الفاعل والقابل موجودان فيجب الأثر.
لا يقال : لم لا يجوز أن يقال : إنّ الاستعداد التام في النفس لا يحصل إلّا عند استعمال الفكر؟
لأنّا نقول : إذا تفكرنا في شيء وعرفناه أمكننا استدامة تلك المعرفة بعد مدّة مديدة ، فإذن استعداد النفس لقبول تلك الصور عن مبادئها لا يتوقّف على استعمال الفكر. وأيضا العلم يحصل حال تذكر النظر من غير تحقّق النظر ، فعلمنا أنّه لا حاجة به إليه.
لا يقال : القوّة الفكرية والخيالية متمانعتان ، فإنّ الخيال إذا انصبّ إلى التخيل وتعطّلت الفكرة ، تعطلت القوة العقلية ، ولذلك تبطل القوة العقلية في النوم ببطلان القوّة المفكّرة ، وكلّ ذلك دلائل قوية على أنّ العقل لا بدّ له في التوصل إلى تحصيل النسبة بينه وبين العقل الفعال من القوّة المفكرة.
لأنّا نقول : لا نسلّم تعطّل العقل في النوم ، فإنّه قد يستنبط حالة النوم ما لم يستنبطه في اليقظة ، لكن الأغلب أنّ التخيل مستولي على النفس فتشتغل النفس عن الفكر ، ولهذا تحتاج أكثر الأحلام إلى التفسير.