الخيالية انقلبت. فالعجز فيما قالوه مستند إلى القوّة الخيالية لا إلى القوّة العقلية.
ثمّ يدلّ على إبطال قولهم وجوه :
الأوّل : لا شكّ في أنّا نحكم بإيجاب وسلب بين مفردات كما في الحمليات ، ومركّبات كما في الشرطيات ، والحكم نسبة وإضافة بين أمرين ، وإنّما يتحقّق لو بيّنا معا إذ مع عدم أحدهما ووجود الآخر لا تتحقق الإضافة سواء سبق العدم أو تأخّر ، فإنّ القاضي على الشيئين لا بدّ وأن يحضره المقضي عليهما ففي وقت الحكم يجب حضور الطرفين دفعة ، وإلّا لكان الحاضر أبدا تصورا واحدا والتصوّر الواحد ينافي الحكم والتصديق ، فكان يجب أن يتعذّر الحكم أبدا.
الثاني : التصوّر قد يكون كسبيا كالتصديق ، وإنّما يكتسب بالحدّ التامّ أو الناقص ، أو الرسم التام أو الناقص ، فإذا عرفناه بالحدّ التام لم يكن العلم بجزء الحدّ كالجنس وحده أو الفصل وحده مفيدا لمعرفة الماهية بتمامها ، فلو استحال حصول العلم بجميع أجزاء المحدود دفعة واحدة استحال حصول العلم في وقت ما من الأوقات بالماهية المركّبة البتة. وكذا في العلوم التصديقية فإنّها إنّما تحصل من اجتماع مقدّمتين ، ولا يكفي إحداهما في الانتاج ، فلو استحال حصول العلم بأكثر من معلوم واحد امتنع القياس واستحصال العلوم الكسبية البتة.
الثالث : الأمور الإضافية معلومة لنا ، وإنما يصحّ العلم بها لو علمنا المضافين معا لاستحالة تحقّق الإضافة في الذهن وفي الخارج بدون تحقّقهما معا ، فلو لم يصحّ اجتماع العلوم الكثيرة لم يحكم بثبوت الإضافة في شيء من الأشياء ، لكنّا نعلم بالضرورة التلازم بين الشيئين والتعاند والفاعلية والمفعولية وغيرها من الإضافات.