جزئي يتعلّق به حكم فله طبيعة توجد في شخصه ، إنّما تصير تلك الطبيعة جزئية لا يدركها العقل ولا يتناولها البرهان والحدّ بسبب انضياف معنى الإشارة الحسية إليها ، أو ما يجري مجراها من المخصّصات التي لا سبيل إلى إدراكها إلّا الحس وما يجري مجراه. فإن أخذت تلك الطبيعة مجرّدة عن تلك المخصّصات صارت كلّية يدركها العقل ويتناولها البرهان والحدّ ، وكان الحكم المتعلّق بها حين كونها جزئية باقيا بحاله. اللهمّ إلّا أن يكون الحكم متعلّقا بالأمور المخصّصة من حيث هي مخصّصة. فكلّ من أدرك علل الكائنات من حيث إنّها طبائع ، وأدرك أحوالها الجزئية وأحكامها كتلاقيها وتباينها وتماسها وتباعدها وتركّبها وتحلّلها من حيث هي متعلّقة بتلك الطبائع ، وأدرك الأمور التي تحدث معها وبعدها وقبلها من حيث يكون الجميع واقعة في أوقات متحدّد بعضها ببعض على وجه لا يفوته شيء أصلا ، فقد حصل عنده صورة العالم منطبقة على جميع جزئياته الثابتة والمتجدّدة المتصرّمة الخاصة بوقت دون وقت كما عليه الوجود ، وتكون تلك الصورة بعينها منطبقة على عوالم أخر لو حصلت في الوجود مثل هذا العالم بعينه فتكون صورة كلّية منطبقة على الجزئيات الحادثة في أزمنتها غير متغيرة بتغيرها. (١)
وفيه نظر ، فانّ الجزئية لا تستتبع الإشارة الحسية خاصة ، فإنّ واجب الوجود والعقول المجرّدة والنفوس الناطقة ، كلّها جزئيات شخصية تمتنع فيها الشركة مع انتفاء الإشارة الحسية فيها. وتعقّل الإشارة بأسبابها لا يفيد إلّا الارتباط والتلازم بينها وبين أسبابها ، ولا شعور هناك بوقوع الجزئيات وعدمه ، وهذا غاية التجهيل ، فأي علم بعد ذلك يحصل؟!
والسبب في هذا الغلط كلّه القول بالصور المساوية مع انّها ممتنعة في حقّه تعالى ، ولهذا الباب كلام بسيط سيأتي بعضه إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) انتهى كلام الطوسي.