والحضور لا يعقلان إلّا بالقياس إلى الغير ، فهما إضافيان ، والإضافة لا تعقل ثابتة إلّا بين شيئين ، ولا اثنينية بين الذات ونفسها. وإنّما أضيف الشيء إلى نفسه في قولنا ذاته لضيق العبارة أو لاعتبار مغايرة ما باعتبار وصف ما.
قالوا : ثم ذلك المجرد إن كان علة لغيره باعتبار ذاته لزم أن يعقل ذلك الغير أيضا ، لأنّه شيء عقل نفسه علم من نفسه أنّه مبدأ لغيره وعلّة له ، وهو يتضمن علمه بغيره ، وفيه ما تقدم.
الحجة الثالثة : ما قرره الشيخ في كتاب المبدأ والمعاد ، حيث برهن فيه على أنّ الصورة المجردة إذا اتّحدت بالجوهر العاقل صيّرته عقلا بالفعل على ما سبق. فانّه قال بعد ذلك : الصورة المجردة لما اتّحدت بغيرها صيّرته عقلا بالفعل ، فإذا كانت الصورة المجردة قائمة بذاتها كانت أولى بالتعقلية ؛ فإنّ كل ما يفيد غيره شيئا هو قابل له ، فإنّ قبوله له أولى ، ولهذا لمّا صيرت الحرارة الجسم الذي قامت به مسخنا كانت بحيث لو قامت بذاتها أولى بالتسخن ، وكذا الجسم إذا كان قابضا للبصر باعتبار حصول السواد له ، فلو كان السواد قائما بذاته كان أولى باقتضاء القابضية (١).
وهذه الطريقة غير مرضية عند العقلاء حتى عند الشيخ نفسه فإنّه سفّه القائل بالاتّحاد ونسبه إلى السخافة والاختلال ، وقد تقدم بطلانه. على أنّ الأولوية كلام إقناعي لا برهاني ، فإنّ المختلفين لا يجب تساويهما في الأحكام فضلا عن اتحادهما فيها.
تذنيب : (٢) قالوا لما ثبت أنّ كل مجرد يصح أن يدرك غيره وجب أن يدرك غيره ، لأنّ المجرد عن المادة وعلائقها لا يمكن توارد التغيرات عليه ، بل يجب له
__________________
(١) المبدأ والمعاد : ١٠ مع تصرفات من المصنّف.
(٢) راجع المباحث المشرقية ١ : ٤٩٤.