أن يكون موجودا لغيره. فإن كان قائما بذاته كانت ذاته حاصلة لذاته لا لغيره.
وقول من يقول : ربّما يكون الشيء موجودا ولا يصدق عليه أنّه لذاته أو لغيره ، كلام باطل لا حاصل له ؛ فإنّ هذا الخيال إنّما جاء من توهم أنّ حضور الشيء عند الشيء إنّما يصح بين المتغايرين ، لأنّه إضافة ، لكنّك قد عرفت أنّه يكفي في ذلك تغاير الاعتبار.
ولأنّا نعقل ذواتنا وإنّما نكون عاقلين لذواتنا إذا كان العاقل هنا هو المعقول ، وهو يدفع القول بالحاجة إلى التغاير.
ولأنّا نقول : ذاتي وذاتك ، فعلمنا (١) أنّ هذه الإضافة غير مستدعية للتغاير.
وأمّا الكبرى : فلأنّ معنى التعقل هو الحضور عند المجرد ، ومن جعله حالة إضافية مشروطة بالحضور ، فلأنّ حصول الحالة الإضافية غير متوقفة إلّا على حصول هذا الشرط فمتى حصل الشرط المفيد للاستعداد التام وجب حصول المشروط.
بقي هنا إشكال : وهو أنّ حصول الشرط إنّما يكفي في حصول المشروط أن لو كان المقتضي حاصلا ، فلعل بعض المجردات حقائقها مقتضية لتلك الإضافة ، فلا جرم تحصل تلك الإضافة عند حصول الشرط ، وبعضها لا يقتضي تلك الإضافة فلا يجب فيها إفاضة تلك الصورة وإن حصلت الشرائط بأسرها.
والجواب : إنّ المقتضي لحصول هذه الإضافة ، هو حضور الصورة بشرط كون الصورة مجرّدة وكون الموصوف بها مجردا ، وحيث قد حصل المقتضي مقرونا بشرطه وجب ترتب الأثر عليه.
وفيه نظر : فإنّ هذه الحجة لا تنفك عن مكابرة للضرورة ؛ لأنّ التعقل
__________________
(١) في المخطوطة : «فقلنا».