في ذكره.
ولو فرضنا ذاته قد خلقت أوّل خلقها صحيحة الهيئة والعقل ، وفرضناها على جملة من الوضع والهيئة لا تبصر أجزاءها ولا تتلامس أعضاؤها ، بل كانت مندرجة ومعلقة في هواء معتدل ، كانت غافلة عن كل شيء إلّا عن ذاتها وثبوت إنّيتها.
وأمّا تفصيلا ، فلأنّ وهم أحد لم يذهب إلى اثبات ذاته بعلله ، فإنّ وجوده له أظهر من وجود علله. وأمّا المعلولات له فباطل الاستدلال بها ، لأنّه لا يخلو إمّا أن يستدل بالفعل المطلق أو بفعل صدر منه. والأوّل باطل ، لأنّ الفعل المطلق يحتاج إلى فاعل مطلق لا فاعل معين. والثاني محال ، لأنّه لا يمكنني أن أعلم فعلي (١) ، إلّا بعد أن أعلم نفسي ، فلو لم أعلم نفسي إلّا بعد أن أعلم فعلي لزم الدور.
وأعلم أنّ المطلوب ان كان هو امتناع الاستدلال على ثبوت ذات الإنسان عند ذاته فهو حق ، لكن لا حاجة فيه إلى برهان ، فإنّ ذلك ضروري ، وإن كان امتناع العلم التصوري فهو ممنوع.
وبالجملة فالبرهان الإنّي ناقص ، لأنّه لا يؤدي إلى معرفة ذات الفاعل ، ولا أن حقيقته ما هي؟
الثاني : (٢) قال بعض أوائل الحكماء (٣) القائلين بقدم النفس : إنّها تعقل المعقولات لذاتها ، فلا يمكن انفكاكها عنها ؛ لأنّها لو خلت عن التعقّلات لكان
__________________
(١) ق : «فعل».
(٢) راجع نفس المصدر : ٤٩٦ ـ ٤٩٧.
(٣) لعلّه سقراط) Socrates () ٩٦٤ ـ ٩٩٣ ق م) وهو من تلامذة فيثاغورس ومن كبار فلاسفة اليونان.