بسبب استغراقها في تدبير البدن. ثم إنّ الأفكار تذكّرات لتلك العلوم الزائلة ؛ لأنّ التفكر طلب ، فإن كان معلوما لزم تحصيل الحاصل ، وهو محال. وإن كان مجهولا كان طلبا لغير المعلوم ، وهو محال ؛ لأنّه إذا وجده كيف يعرف أنّه هو الذي كان مطلوبا؟ فإن من لا يعرف عبده الآبق لا يعرف أنّ الذي وجده هو أو غيره. أمّا إذا جعلنا العلوم كانت حاصلة بالفعل ، والتفكر تذكر ، عرف أنّها مطلوبة إذا وجدها.
والجواب : سيأتي حدوث النفس. والمطلوب معلوم من وجه دون وجه ، ففي التصورات تكون الماهية المطلوب تصورها معلومة ببعض عوارضها ولو بكونها مسماة بلفظ ما ومجهولة باعتبار حقيقتها ، فيطلب تعريف ذلك المجهول بواسطة ما علم ، ويعرف انّه هو إذا وجده حيث حصل له علامة سابقة ، كمن كان له في عبده الآبق علامة ، فإذا وجده عرف انّه هو باعتبار وجود تلك العلامة فيه.
وأمّا في التصديقات ، فانّ تصور طرفي القضية يكون معلوما ، والمجهول نسبة أحدهما إلى الآخر بالإيجاب أو السلب ، فتطلب النفس إيقاع تلك النسبة بالدليل ، فإذا حصّلت الدليل أوقعت الفكرة تلك النسبة وعرفت النفس أنّ الحاصل هو المطلوب باعتبار علمها لمفردات القضية.
__________________
ـ يتعلق بالثابتات لا بالفانيات ، والمثل ـ بما أنّها واقعيات ثابتة ـ يتعلق بها العلم.
وفي أقوال الحكماء الأقدمين إشارات لطيفة ورموز شريفة إلى هبوط النفس من ذلك العالم وصعودها ، وحكايات مرشدة إلى ذلك. منها قصة سلامان وأبسال وهي بتفصيلها مذكورة في النمط التاسع من شرح الاشارات للمحقق الطوسي ، ومنها قصّة الحمامة المطوّقة المذكورة في كتاب كليلة ودمنة ، ومنها حكاية حيّ بن يقظان. والقدماء من الحكماء كأنباذقلس ، أفلاطون ، أرسطاطاليس ذكروا وجوها عديدة في علّة هبوط النفس. وللشيخ الرئيس قصيدة في السؤال عن علّة هبوط النفس معروفة بالقصيدة العينية. فمن أراد التفصيل في أحوال النفس ، فليراجع الأسفار ٨ : ٣٢٥ ـ ٣٧٩.