ومنع أبو هاشم من ذلك ، وإليه ذهب أبو علي ابن خلّاد (١) ، وبه قال أبو اسحاق ابن عياش (٢) ، لأنّ من الواجب ثبوت التفرقة بين كامل العقل وغيره ، ومعلوم أنّ الصبي قد تجتمع له العلوم السابقة ، فلو حصل هذا الواحد أيضا لبطلت التفرقة فيجب أن لا يعلم قبح القبيح إلّا عند كمال عقله وعند علمه بذلك يستحق الذم إذا أقدم عليه ؛ لأنّ المقتضي لاستحقاق الكامل العقل الذم عند فعله للقبيح هو علمه بقبحه ، فلو ساواه الطفل في هذا العلم وجب مساواته له في استحقاق الذم.
لا يقال : يفرّقان بأن غير العاقل يعلم قبح البعض دون البعض ، والعاقل يعلم قبح أصولها أجمع.
لأنّا نقول : لا فرق بين بعض منها وبين ما عداه ، فلهذا لم يصح في العاقل أن يعلم قبح الظلم ويخفى عنه قبح الكذب الخالي عن المنفعة ودفع المضرة ، لأنّها كلها ضرورية ، فإذا لم يجز الفرق بينها في العاقل لم يجز في غيره ، والملازمة ممنوعة ، وعدم الفرق ممنوع.
__________________
(١) أبو علي بن خلّاد من (الطبقة العاشرة في طبقات المعتزلة) : صاحب كتاب الأصول والشرح. درس على أبي هاشم بالعسكر ثم ببغداد. وكان في الابتداء بعيد الفهم ، فربما بكى لما يجد نفسه عليه ، فلم يزل مجاهدا لنفسه حتى تقدم على غيره. قال القاضي : وكان على إتمام كتاب الشرح فاتّفق له المقام في البصرة ... ولم يبلغ الشيخوخة. راجع طبقات المعتزلة : ١٠٥.
(٢) أبو اسحاق إبراهيم بن عيّاش البصري (من الطبقة العاشرة في طبقات المعتزلة) : قال القاضي : وهو الذي درسنا عليه أوّلا ، وهو من الورع والزهد والعلم على حدّ عظيم ، وكان رحل إليه من بغداد قوم فيجمعون مجلسه إلى مجلس أبي عبد الله البصري. وكان مع مواصلته لأبي هاشم كثر أخذه عن أبي علي بن خلّاد ثم عن الشيخ أبي عبد الله ثم انفرد. وله كتاب في إمامة الحسن والحسين ـ عليهماالسلام ـ وفضلهما وكتب أخر حسان. راجع طبقات المعتزلة : ١٠٧.