في وقت واحد في مكانين. وأن يعلم أنّه يتعذر عليه حضور جسمين دفعة في مكان واحد.
ويجب أن يعلم أنّ تعلق الفعل بفاعله على طريق الجملة. وأن يعلم مقاصد المخاطبين ما ظهر منها دون الخفي. وأن يعلم بعد التجربة أنّ الزجاج يتكسر بالحديد ، والقطن يحترق بالنار. وأن يعلم قبح كثير من المقبّحات ، وحسن كثير من المحسّنات ، ووجوب كثير من الواجبات.
ويجب أن يعلم ويحفظ عند الدرس والممارسة الطويلة فلا يجوز وهو كامل العقل أن يقرأ آية ألف مرة ولا يعرفها. وأن يتذكر الأمور العظام التي وقعت منه.
ثم اختلف الشيخان ، فذهب أبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم في مسائل عبد الله بن العباس ، أنّه يجب أن يحصل له العلم بمخبر الاخبار ، ومنعه أبو هاشم أخيرا ، وقال : إنّما يجب لورود السمع وثبوت تكاليف علّمها متعلقة بالأخبار. فأمّا لو تجرد العقل لم يكن لازما لشيء يرجع إلى كمال العقل أن يعرفه ، فهذه الجملة هي التي تعدّ في كمال العقل.
واعلم أنّ أبا علي قال : إنّ العلم بقبح أصول المقبحات ووجوب أصول الواجبات وحسن أصول المحسنات ، ليس من أجزاء علوم العقل حتى لا يصح حصوله إلّا فيمن هو كامل العقل ؛ فإنّها قد تثبت للصبيان والمراهقين وغيرهم من دون كمال العقل. وعلى هذا أجرى أبو عبد الله البصري (١) كلامه في كتاب الوعيد ،
__________________
(١) أبو عبد الله البصري (... ـ ٣٦٧ ه) الحسين بن علي بن إبراهيم الكاغدي المعروف بالجعل. أخذ عن أبي علي بن خلاد أوّلا ثم أخذ عن أبي هاشم ، لكنه بلغ بجدّه واجتهاده ما لم يبلغه غيره من أصحاب أبي هاشم ، وكان يسكن بغداد ، ويميل إلى علي ـ عليهالسلام ـ ميلا عظيما وصنّف كتاب التفضيل وأحسن فيه غاية الإحسان. راجع طبقات المعتزلة : ١٠٥ ـ ١٠٦.