إدراكه له أنّه هو ذلك المدرك الأوّل ، قيل للإدراك الثاني بهذا الشرط «معرفة» ، كما يقال: عرفت الرجل ، وهو الذي رأيته في وقت كذا. فالمعرفة : تكرار التصور ، والتصور : استقرار الإدراك.
وقيل : المعرفة والعلم كما ينسبان إلى الجزئي والكلي ، فقد ينسبان إلى الإدراك المسبوق بالعدم ، أو إلى الأخير من إدراكين لشيء واحد يتخلل بينهما عدم ، وإلى التجرد عن هذا الاعتبار ، ولهذا لا يوصف الله تعالى بالعارف ويوصف بالعالم. وقد ينسبان إلى البسيط والمركب ، ولهذا يقال عرفت الله ، ولا يقال علمته ، لأنّ المعرفة مختصة بالتصور والعلم بالتصديق فكان العلم تصور بغير تصديق فكان ركنا.
الخامس : الفهم : تصور المعنى من لفظ المخاطب ، والإفهام : إيصال المعنى باللفظ إلى فهم السامع.
السادس : التصديق : هو الحكم بالنسبة بين متصورين إيجابا أو سلبا.
فكل إدراك لا يخلو إما أن يكون المدرك حاصلا بحيث لا يكون منسوبا (١) إلى شيء آخر أنّه هو أو ذو هو ، أو بأنّه ليس هو ولا ذو هو ، وإما أن تتحقق فيه هذه النسبة ، والأوّل تصوّر ، والثاني تصديق.
ومن عاند بينهما بقوله : الإدراك إمّا تصور أو تصديق ، أخطأ لعدم التعاند بين الشرط والمشروط.
فالصحيح أن يقال : التصور إما أن لا يكون معه تصديق أو يكون. والصدق : هو أن يكون حكمك بتلك النسبة مطابقا لما في الوجود. والتصديق : هو الاعتراف بهذه المطابقة ، وقبول ذهن السامع لذلك. والكذب : مخالفة الحكم للوجود. والتكذيب : الاعتراف بهذه المخالفة.
__________________
(١) ق : «مسبوقا».