لما في نفس الأمر لا يتحقق إلّا بتحقق ما في نفس الأمر الذي طابقه علم ذلك المجرد بذاته متقدما على كل ما يسمى نفس الأمر ؛ لأنّ علم العقل بذاته عين ذاته ، فيلزم تقدم الشيء على نفسه.
والوجه عندي (١) أن يقال : المعلوم إمّا تصور ، وإمّا تصديق ، ولما كان للذهن أن يتصور جميع الأشياء حتى ما يرتسم فيه من الصور إن أثبتناها ، أو من الإضافات كان متعلق التصور قد يكون خارجيا ، وقد يكون ذهنيا. فالأوّل يمكن فيه المطابقة لتعدد الملحوظ في الذهن والموجود في الخارج. والثاني قد تثبت فيه المطابقة أيضا لكن ما لحظه الذهن بالنسبة إلى الملحوظ الذهني يكون قد أخذ مقيسا إلى أمر ذهني اعتبره العقل ولم يجعله آلة ، بل منظورا فيه.
وأمّا التصديق فإنّه حكم عقلي لا غير فالصادق منه (٢) ما وافق الحكم العقلي الذي لا تشوبه معارضة الوهم والخيال ، إما ابتداء ، أو بواسطة ؛ فانّه ليس في الخارج ، الحكم بأنّ الإنسان جسم أو حجر حتى يكون الحكم الذهني مطابقا لأحدهما فيكون علما ، وغير مطابق للآخر فيكون جهلا ، بل كلاهما حكم عقلي أحدهما استند إلى صريح العقل إما ابتداء ، أو بوسائط فكان حقا ، والثاني استند إلى العقل مشوبا بما أوجب له الغلط ، ولم يحكم بما يوافق العقل الصريح ، فكان جهلا.
وبالجملة لا يجب أن يكون المعلوم ثابتا إمّا في الذهن أو في الخارج ، بل أن يكون على ما عليه الأمر نفسه.
وقد بقي في العلم مسائل أخر نذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) أي عند المصنّف. ويقول في كشف المراد بعد ذكر جواب الطوسي : «فلم يأت فيه بمقنع».
(٢) ج : «فيه».