الحكم الذهني ، بثبوت شيء خارج الذهن على شيء كان شرط كونه علما أن يكون للشيء ثبوت خارج الذهن في نفسه وله مع ذلك ثبوت خارج الذهن للموصوف به. وإن كان الحكم الذهني بسلب شيء عن شيء خارج الذهن ، لم يشترط في كونه علما أن يكون للمسلوب عنه وجود خارج الذهن ولا للحكم ثبوت خارج الذهن ، كما نقول : طلوع الشمس غدا ليس من المغرب ، فهذا الحكم علم وليس لمتعلقه ثبوت خارج الذهن ، وهو مطابق لمتعلقه ، فإنّ طلوع الشمس المعدوم ليس من المغرب ثابت له في نفس الأمر. فلا يتم قوله : إنّه يجب أن يكون للصورة الذهنية التي هي علم ثبوت خارج عن أذهاننا.
ثم الأحكام الصادقة كما تقع في الكليات تقع في الجزئيات ، كقولنا : زيد حيوان ، فيجب ارتسامه في شيء حتى تتحقق المطابقة ، ولا يجوز أن يكون هنا ما أشرتم إليه لامتناع ارتسام الجزئيات فيه عندكم.
ولأنّ تلك الصور المرتسمة في ذلك المجرد صادقة لأنّها طابقت الأحكام الذهنية الصادقة ، ولا معنى للصادق إلّا ما يطابق ما في نفس الأمر ، فتلك الصور أيضا مطابقة لما في نفس الأمر ، فلا يكون هو نفس الأمر لامتناع مطابقة الشيء لنفسه (١).
ولأنّ المراد بنفس الأمر إذا كان هو الصورة الحالّة في الذات المجردة ، كانت ذات ذلك المجرد متقدمة على تلك الصورة التي هي نفس الأمر ، وذات ذلك المجرد عالمة بذاتها (٢) ، وإنّما يتحقق العلم بكونه مطابقا بالفعل لما في نفس الأمر لامتياز ماهية الحكم العملي (٣) عن الجهل بهذا القيد ، وكون العلم مطابقا بالفعل
__________________
(١) واكتفى العلّامة الطباطبائي بهذا الاشكال على رأي الطوسي ، فراجع.
(٢) ج : «بذاته».
(٣) كذا.