حاجة بنا إلى التشنيع وتقبيح صورة كلامهم؟» (١)
وفيه نظر ؛ لأنّ أصحابه صرحوا بامتناع تقدم القدرة على الفعل ، واحتجوا عليه بأنّ القدرة عرض فلا يمكن بقاؤها ، وهذا التصريح لا يقبل التأويل الذي ذكره.
ويدل على ما ذهبنا إليه وجوه :
الأوّل : الكافر مكلف بالإيمان إجماعا ، والإيمان غير موجود فيه حال كفره ، فإمّا أن تكون القدرة ثابتة حينئذ أو لا ، فإن كان الأوّل بطل قولهم بامتناع التقدم ، وإن كان الثاني لزم تكليف ما لا يطاق (٢) ، لأنّ التكليف ثابت حال الكفر والقدرة غير ثابتة.
اعترضه أفضل المتأخرين : «بأنّه وارد عليكم أيضا ؛ لأنّه حال حصول القدرة لا يمكنه الفعل ، وحال حصول الفعل لا قدرة له عليه.
لا يقال : إنّه في الحال مأمور بأن يأتي بالفعل في ثاني الحال لا في الحال.
لأنّا نقول : هذه مغالطة ؛ لأنّ كونه فاعلا للفعل إمّا أن يكون هو نفس صدور الفعل عنه ، وإما أن يكون أمرا زائدا عليه ، فإن كان الأوّل استحال أن يصير فاعلا قبل دخول الفعل في الوجود ، وإذا كان كذلك استحال أن يقال : إنّه مأمور بأن يفعل في الحال فعلا لا يوجد إلّا في ثاني الحال. وإن كان الثاني كانت
__________________
(١) المباحث المشرقية ١ : ٥٠٦. وما بين الهلالين ليس فيه.
قال صدر المتألهين بعد نقل تأويل الرازي : «لعمري أنّ تصحيح كلامهم بهذا التأويل والتفصيل أشنع وأقبح كثيرا من كلامهم الواقع على الإجمال ...» تعليقات على إلهيات الشفاء : ١٦٨.
(٢) اختلفت الفرق الإسلامية في جواز التكليف بما لا يطاق ، فنفاه وأنكره الإمامية والمعتزلة والماتريدية ، وقالت الأشاعرة بجوازه ، راجع شرح الأصول الخمسة : ذيل ص ٣٩٦.