تلك الفاعلية أمرا حادثا فيفتقر إلى الفاعل ، والكلام في فعلها كالكلام في الأوّل فيلزم التسلسل» (١).
وأجاب عنه أفضل المحققين بأنّه : «إذا أخذ حال حصول القدرة حال وجود الفعل بعينه فالفعل لا يمكنه ، لا من حيث القدرة ، بل من حيث تفرض مقارنتها بالفعل ، وكون الفعل واجب الوقوع حينئذ».
ثم اعترض كلام المعتزلة بأنّ : «الكافر مكلف بالإيمان من حيث هو قادر حتى يؤمن في حال قدرته ، وهذا ليس تكليفا بما لا يطاق. ومن حيث فرض وقوع الكفر منه في حال قدرته على الإيمان لو كان مكلفا بالإيمان كان تكليفا بما لا يطاق» (٢).
وفيه نظر ، فإنّ قوله : «حال حصول القدرة لا يمكنه الفعل» ، يشتمل على التناقض. وقوله : «استحال أن يقال : إنّه مأمور بأن يفعل في الحال فعلا لا يوجد إلّا في ثاني الحال» مغالطة ؛ فإنّه مأمور في الحال بأن يفعل في ثاني الحال لا في الحال. أو نقول : إنّه قد أعلم في الحال بأن يؤمن في ثاني الحال.
واعتراض أفضل المحققين غير وارد ؛ لأنّ الكافر عند الأشاعرة إنّما يكلف حالة الفعل لا حالة الكفر ، لكن حالة الفعل هي حالة وجوبه ، أعني حال عدم القدرة عليه. وأيضا لو اقترن التكليف والقدرة والفعل كما هو مذهب الأشاعرة لم يكن أحد عاصيا البتة حتى الكافر ، والتالي باطل اتفاقا ، فالمقدم مثله.
الثاني : القدرة إنّما يحتاج إليها لأجل أن يخرج القادر الفعل من العدم إلى الوجود ، فلو لم توجد إلّا حال حدوث الفعل ـ التي هي حالة وجوده ـ لم تكن هناك حاجة إليها.
__________________
(١) تلخيص المحصل : ١٦٥ ـ ١٦٦.
(٢) نفس المصدر : ١٦٦.