والجواب عن الأوّل : المعنى لا يختلف بتبديل لفظ القدرة بلفظ التمكن. ومفهوم التمكن من أحد الشيئين يشارك مفهوم التمكن من الآخر في مفهوم التمكن مطلقا ، وإنّما يختلفان من حيث تعلقهما تارة بهذا وتارة بذاك ، فإن كان المراد من القدرة ذلك الأمر المشترك كانت صالحة للضدين.
وإن كان المراد منها مجموع المشترك مع ما به الاختلاف لم يقع اسم القدرة على أنواعها إلّا بالاشتراك اللفظي ، ويقع على أنواع متعددة بعدد المقدورات (١) ، وهذا قول لم يصر إليه أحد من العلماء.
وعن الثاني : إنّ قولهم : «إن كانت نسبة القدرة إلى الطرفين على السويّة احتاجت إلى مرجح ، وقبل المرجح لا تكون قدرة على الفعل» ، يقتضي أن تصير القدرة مبدأ للفعل مع الزائد ، وهو عين مذهب القائلين بأنّ القدرة صالحة للضدين (٢).
والأصل فيه أنّ للفعل امكان الوجود في نفسه ، وذلك أمر ذاتي له لا يعلل ، وله وجود ، وهو المستفاد من الغير.
ثم إنّ الفعل قد لا يتأتى من كل فاعل بل من فاعل دون فاعل ، فكان من يصدر عنه الفعل له امكان الإيجاد والتأثير فيه. وكما أنّ امكان الفعل لا يكفي في وجوده من ذاته لتساوي نسبة الطرفين إليه ، كذا امكان الإيجاد من الفاعل غير كاف في الإيجاد ، وإلّا لكان الإيجاد منه واجبا ، بل يفتقر إلى ضميمة حتى يتحقق الإيجاد منه. وتلك الضميمة هي الإرادة ، فبدونها يكون الفعل ممكنا من الفاعل ، والصدور يتوقف على المشترك ، وهو امكان الفعل من الفاعل المشترك بين طرفي الوجود والعدم ، وعلى الزائد عليه وهو الإرادة.
__________________
(١) في تلخيص المحصل : ١٦٧ «يقع على أنواع تعدد المقدورات».
(٢) نفس المصدر.