المكان يقتضي انتقاله إليه ، فإنّ بهذا الحكم يتميّز ذلك الكون عن غيره. ووجود الجوهر في جهتين محال ، والقدرة لا تقتضي أن ينتقل بها محلها من مكان إلى آخر.
ولأنّ الكونين في جهتين يتضادان بخلاف القدرتين. فإذن القدرة تتعلق بالكونين لأنّها لو تعلقت بالكون الذي يختص المكان الذي وجد فيه القادر دون الكون في المكان الثاني لكان قد اختلف حالها لأجل انتقال محلها ، فإنّها لو وجدت في مكان الثاني لكانت قدرة على الكون فيه ، وذلك قادح في أنّ تعلقها لأمر يرجع إلى ذاتها. وهذا على طوله غير تام.
احتجت الأشاعرة بوجوه :
الأوّل : القدرة عبارة عن التمكن ، ومفهوم التمكن من هذا غير مفهوم التمكن من ذلك فتغايرت القدرة باعتبار تغاير المقدور.
الثاني : نسبة القدرة إلى الطرفين إن كانت على السويّة استحال أن تصير مصدرا لأحدهما إلّا عند مرجح ، فلا يكون مصدر الأثر إلّا المجموع ، فقبل هذه الضميمة لم يكن ذلك قدرة على الفعل. وإن لم تكن على السويّة لم تكن القدرة قدرة إلّا على الراجح (١).
الثالث : المعاني المختلفة على اختلافها لا تتعلق بالضدين ، فكذا القدرة (٢).
الرابع : العون على الشيء هو القدرة عليه ، ولا يتعلق بالضدين فكذلك القدرة (٣).
__________________
(١) انظر الوجه الأوّل والثاني في تلخيص المحصل : ١٦٧.
(٢) راجع شرح الأصول الخمسة : ٤٣٠.
(٣) استفاد الأشاعرة من هذا الدليل لإثبات مقارنة القدرة مع الفعل أيضا ، فقالوا : إنّ القدرة عون على الفعل ، فكان يجب أن تكون مقارنة له.
ثم أجاب عنه القاضي في شرح الأصول الخمسة : ٤٣٠ ـ ٤٣١.