المخلّى الفعل وأن لا يفعله ، بخلاف المضطر الذي لا يتأتى منه الانفكاك ، فافترقا من هذه الجهة وإن لم يقدر القادر على الضدين. نعم هذا يدل على إمكان تقدم القدرة ، لأنّها لو امتنع عليها التقدم لأشبه القادر المضطر.
السابع : استدل أبو هاشم في «البغداديات» بأنّ القدرة التي توجد في أحدنا وهو ببغداد ، يصح وجودها منه لو كان بالبصرة ، فإذا وجدت منه وهو بالبصرة فلا بد لها من متعلق ، وإلّا لزم انقلاب جنسها ، وهو محال. فإمّا أن تتعلق بالكون في المكانين ، وهو المطلوب. وإمّا أن تتعلق بأحدهما خاصة ولا يمكن تعلّقها بالآخر ، وهو باطل ؛ إذ لا شيء يقتضي الإحالة ، لأنّ القدرة من فعل الله تعالى ولا يلحقه في صفة ذاته لغير وليس في القدرة محيل ومانع ، إذ لا ضد لها ، فيقال : يمتنع وجودها لوجود ضدها ، على ما يأتي. وإن فرضنا لها ضدا أو منافيا لم يجب اتصاف المحل به ، إذ ليس من ضرورة الحي أن يوجد ذلك الضد ، أو المنافي.
ولا يمكن أن يقال : إن موجبها يستحيل عليه إلّا في هذا المكان ، لأنّ هذه الصفة تصح عليه لكونه حيا ، وهو ثابت في المكانين معا. وعلى أنّ المعنى لا يستحيل وجوده لاستحالة الصفة الصادرة عنه ، بل الصفة تستحيل لاستحالة موجبها لترتبها على العلة ، وليست العلة مترتبة عليها.
ولا يمكن أن يقال بافتقار القدرة إلى بنية زائدة ، لأنّ صحة حصول البنية في المكانين على السواء.
ولا أن يقال : القدرة تفتقر إلى الكون في هذا المكان ؛ لأنّ الكون محتاج إلى القدرة دون العكس. ولأنّه يلزم صحة وجود الكون ولا قدرة.
وليس لهم أن يقولوا : إنّ القدرة موجبة للكون في ذلك المكان ؛ لأنّ الاعتراض بنفس المذهب على دليل قد نصب لإفساده غير صحيح. ولا أن تقاس القدرتان بالكونين ، لأنّ وجود الكون الذي يختص مكانا آخر فيه ، وهو في هذا