الرابع : (١) لو تعلقت القدرة بأحد الضدين لا غير لجوّزنا أن يقدر أحدنا على التحريك يمنة ولا يقدر على التحريك يسرة ؛ لأنّ هاتين الحركتين متضادتان ، والضرورة قاضية بخلافه. ولجاز أن يقدر أحدنا على رفع الجبل العظيم ولا يقدر على رفع ذرة ، لتضاد هاتين الحركتين.
لا يقال : العادة جارية بأن يجمع الله تعالى بين هاتين القدرتين في القادر فلهذا لا يمكن ما ذكرتم.
لأنّا نقول : العادة يمكن خرقها ، ومن المعلوم أنّ في الزمان الذي يصح انتقاض العادة فيه يستحيل ما قلناه فإنّه لا يجوز أن يقدر القادر على رفع جبل ولا يقدر على رفع خردلة ، ولا أن يقدر على الحركة يمنة ويعجز عن الحركة يسرة.
الخامس : (٢) لو لم تتعلّق القدرة بالضدين ، لزم تكليف ما لا يطاق ، والتالي باطل ، فالمقدم مثله.
بيان الشرطية : أنّ الكافر مأمور بالإيمان وهو غير واقع منه ، ولا يخلو إمّا أن يكون قادرا عليه أو لا ، فإن كان الثاني تحقق التالي. وإن كان الأوّل فلا يخلو إمّا أنّ يكون بالقدرة التي تعلّقت بالكفر أو بغيرها ، والتالي باطل ، وإلّا لزم تقدم القدرة على الفعل ، وهو عندكم محال ، والأوّل هو المطلوب.
السادس : لو لم تتعلق القدرة بالضدين لم يبق فرق بين القادر المخلّى وبين الممنوع المضطر ، والتالي باطل بالضرورة ، فالمقدم مثله.
بيان الشرطية : أنّ القادر حينئذ لا يقدر إلّا على شيء واحد فأشبه المحبوس في تنوّر من حديد فإنّه لا يقدر إلّا على تسكين نفسه.
واعترض : بإمكان التفرقة بينهما بوجه آخر ، وهو صحّة أن يفعل القادر
__________________
(١) انظر هذا الوجه في شرح الأصول الخمسة : ٤١٦.
(٢) انظر هذا الوجه بتمامه ونقضه وابرامه في شرح الأصول الخمسة : ٣٩٩ ـ ٤٠٩.