واعلم أنّ الأخلاق : منها فاضلة شريفة ، ومنها رذلة ناقصة. وأصول الفضائل الخلقية ثلاثة : الشّجاعة والعفّة والحكمة (١) وتجمعها العدالة ، وتجمع مقابلها الجور. ولكل واحد من هذه الثلاثة طرفان هما رذيلتان.
فالشجاعة : الخلق الذي تصدر عنه الأفعال المتوسطة بين أفعال التهور والجبن (٢) ، والشجاعة محبوسة بهما ، وهذان الطرفان رذيلتان.
وأمّا العفة : فهي الخلق الذي تصدر عنه الأفعال المتوسطة بين أفعال الفجور والخمود(٣) ، وهذان الطرفان رذيلتان ، والفضيلة (٤) محبوسة بهما.
وأمّا الحكمة : فهي الخلق الذي تصدر عنه الأفعال المتوسطة بين أفعال الجربزة والغباوة (٥) ، وهذان الطرفان رذيلتان.
وليست هذه الحكمة العملية هنا هي التي تجعل قسيمة للحكمة النظرية ، حيث يقال: الحكمة إمّا نظرية أو عملية كما توهمه بعض الناس ؛ لأنّ المراد من
__________________
(١) الشجاعة : ملكة ترتبط بالقوة الغضبية الباعثة إلى دفع الشر والضار.
العفة : ملكة ترتبط بالقوة الشهوية الباعثة إلى جذب الخير والنافع الذي يلائمه.
الحكمة : ملكة ترتبط بالقوة العقلية التي تهدي الانسان إلى الخير والسعادة وتزجره عن الشر والشقاء.
والهيئة الحاصلة من اجتماع الملكات الثلاث التي أثرها اعطاء كل ذي حقّ من القوى حقّه إذا اعتدلت سميت عدالة ، وإن خرجت إلى حدّ الإفراط سميّت ظلما ، وإن خرجت إلى حدّ التفريط سميت انظلاما.
راجع نهاية الحكمة : ١٢٣ ـ ١٢٤.
(٢) التهوّر : افراط في الشجاعة ، والجبن : تفريط فيها.
(٣) الفجور : افراط في العفّة ، والخمود : تفريط فيها. وعبّر العلامة الطباطبائي عن حدّ الإفراط في العفّة ب «الشره». نهاية الحكمة : ١٢٣.
(٤) في هامش ج : «أي العفّة».
(٥) الجربزة : افراط في الحكمة ، والغباوة والبلاهة : تفريط فيها.