ومشايخ المعتزلة قالوا : إنّما يثبت الألم واللذة فيما يحصل جاذبا عند التقطيع فقط ، فإذا قارنه شهوة فهو لذة ، وإن قارنه نفار فهو ألم.
واعترض أفضل المتأخرين بوجوه (١) :
الأوّل : التفرق مرادف للانفصال ، والانفصال عدمي لأنّه عدم الاتصال عمّا من شأنه أن يكون متصلا ، والوجع والألم لا شكّ في أنّه ثبوتي فلا يجوز أن يعلل بالعدمي ، فتفرق الاتصال ليس علّة للألم.
الثاني : قد لا يحس بالقطع مع حدّة الآلة جدا ، وسرعة القطع في أوّل الأمر بل بعد ذلك بلحظة ، ولو كان الألم مستندا إلى تفرق الاتصال خاصة لما تخلف الألم عنه ؛ لاستحالة تخلف المعلول عن علته ، فلمّا تخلف علم أنّه في أوّل القطع لم يحصل سوء المزاج فلم يحصل الألم ، ثمّ لمّا حصل سوء المزاج بعد ذلك حصل الألم.
الثالث : التغذي والنمو إنّما يحصلان بتفرق أجزاء (٢) العضو وتنفذ في الفرج المستحدثة الأجزاء الغذائية ، مع أنّه ليس هناك ألم ، ومعلوم أنّه إنّما لم يؤلم لأنّ ذلك التفرق أمر طبيعي ، ولم يحدث عنه سوء مزاج ، وذلك يدل على أنّ التفرق ليس سببا للألم لأنّه تفرق ، بل لما يكون معه من سوء المزاج.
وإنّما قلنا بحصول التفرق لاتفاقهم عليه ، فإنّ الشيخ حكى في احتجاج أصحاب الخلاء في الشفاء (٣) بأنّ : «النامي إنّما ينمو لنفوذ شيء فيه ، ولا يمكن النفوذ في الملاء». وأجابهم (٤) بأنّ : «الغذاء ينفذ بين المتماسين من أجزاء الأعضاء
__________________
(١) لاحظ المباحث المشرقية ١ : ٥١٥ ـ ٥١٧.
(٢) في المصدر : «اتصال».
(٣) الفصل السادس من المقالة الثانية من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء : ٥٢.
(٤) في نفس المصدر ، الفصل التاسع : ٦٧.