فورد عليه ما يضادها ، فإمّا أن يبطل الوارد كيفية العضو ، فحينئذ لا تبقى هناك كيفيتان متنافيتان فلم تكن المنافاة حاصلة فلم يكن الاحساس بالمنافاة حاصلا ؛ لأنّ الحاس يجب أن ينفعل من المحسوس والشيء لا ينفعل عن الحالة المتمكنة التي لا تغيّره بل عن الضد الوارد المغير إياه إلى غير ما هو عليه. وإن لم يبطل المضاد الوارد كيفية العضو تحقّقت المنافاة بين الوارد وبين كيفية العضو فيتحقق الألم. فلأجل ذلك يكون سوء المزاج المختلف مؤلما ، لا سوء المزاج المتفق» (١).
وأمّا المثالان : فالأوّل : «حرارة صاحب الدق أشدّ كثيرا من حرارة صاحب الغبّ(٢)، مع أنّ صاحب الدّقّ لا يجد من الالتهاب ما يحس به صاحب الغبّ أو صاحب حمّى يوم ؛ لأنّ حرارة الدق ثابتة مستقرة في جوهر الأعضاء الأصلية ، وحرارة الغبّ واردة من مجاورة خلط على أعضاء محفوظة (٣) فيها مزاجها الطبيعي بعد بحيث إذا تنحّى الخلط بقي العضو منها على مزاجه الطبيعي».
الثاني : «إنّ المغافص (٤) بالاستحمام شتاء إذا استحم بالماء الحار ، بل بالفاتر ، عرض منه أذى ؛ لأنّ كيفية بدنه بعيدة عن مضادة إيّاه ، فإذا مكث لحظة استلذ به كما يتدرج إلى الاستحالة عن حالة البرد العاجل ثمّ بعد زيادة المكث يتسخن بدنه أكثر من الأوّل ، فإذا صب عليه الماء الأوّل بعينه بغتة استبرده واقشعر منه».
ويمكن أن يقال : المنافاة إنّما تتحقق بين أمرين لأنّها اضافة تستدعي تعدد
__________________
(١) لصدر المتألهين في هذه الحجّة شك وتحقيق. راجع الأسفار ٤ : ١٣١ ـ ١٣٢.
(٢) حمّى الدّقّ : داء تعرفه العامّة بالسخونة الرفيعة. والغبّ : حمى تنوب يوما بعد يوم ، قال ابن عباد : هي ورد يوم وظمأ يوم ومنه قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (زر غبّا تزدد حبا). راجع المحيط في اللغة ٤ : ٥١٩ ؛ تاج العروس ، مادة غبب.
(٣) في المصدر : «محفوظ».
(٤) أي الأخذ على حين غرّة. المنجد ، مادة غفص.