اعترض (١) بأنّ من عقل مضادة السواد والبياض فقد ارتسمت في عقله ماهيتاهما ، وماهية الضدين تقتضيان التضاد لا مطلقا ، بل بشرط الوجود الخارجي ، فلا يلزم تحقق التنافي عند فوات هذا الشرط.
وفيه نظر ، لأنّ الصورة إن ساوت الماهية الخارجية لزم التضاد فيها ، كما في الماهية. وإن لم تكن مساوية لها لم تكن صورتها.
السادس : الماهية إذا انطبعت في العقل فهي من حيث إنّها صورة جزئية حاصلة في نفس جزئية موجودة في الخارج ، فوجوده الذهني إمّا أن يكون هو ذلك أو وجود آخر.
والأوّل يستلزم أن لا يبقى الفرق بين الوجود الذهني والخارجي أصلا ، وكان يجب أن يتوفر على تلك الماهية حينما تكون في الذهن جميع ما يتوفر عليها عند ما تكون خارجية ، فالحرارة المعقولة محرقة ، والسواد المعقول محسوس قابض للبصر ، وهو محال.
والثاني أيضا محال ؛ لأنّه يقتضي أن يكون للشيء الواحد وجودان فيكون موجودا مرتين ، وهو محال. فهب أن له وجودا آخر لكن الوجود الخارجي حاصل له ، فكان يجب أن يتوفر عليه جميع ما يفرض له في الخارج.
اعترض (٢) بأنّ للحرارة ماهية ولوازم ، ولا يجب أن يكون ما يلزمها بحسب قابل يلزمها بحسب كلّ قابل ، فإنّه من الجائز أن تختلف لوازم الشيء بحسب اختلاف القوابل حتى يكون للحرارة متى حلّت المادة الجسمانية تعرض لها عوارض مخصوصة ، ومتى حلّت (٣) النفس المجردة عن الوضع والمقدار لا يعرض لها شيء من تلك العوارض. وتكون الماهية في الحالتين واحدة لأنّها ليست هي هي
__________________
(١) والمعترض هو الرازي في المباحث المشرقية ١ : ٤٤١.
(٢) والمعترض هو الرازي في المصدر نفسه.
(٣) ج : «خلت».