الجسم ذا وضع بخلاف العقل.
أمّا انطباع الصورة المساوية للسماء في مادة آلة الإدراك فإنّه أشدّ امتناعا.
أمّا أوّلا : فلأنّ تلك المادة في غاية الصغر ، فكيف ينطبع فيه هذا المقدار الأعظم؟ فإن لم يشترطوا المساواة في المقدار أو أنّ الحالّ في المادة الصغيرة لا يكون له مقدار ، لزم أن لا يدرك المقدار العظيم على عظمه ، والصغير على صغره ، حيث لا صورة مساوية لهما في المادة.
وأمّا ثانيا : فلأنّ تلك المادة لا يمكن أن تقوم بغير مقدار لها فكيف يحصل فيها مقدار آخر؟ والمساواة بحسب الصورة غير كافية في العلم بالمقدار.
الرابع : إن لزم من قول الشيخ ، اثبات الصورة الذهنية فإنّما لزم فيما لا يكون موجودا. أمّا المحسوسات التي لا تدرك إلّا إذا كانت موجودة ، فيحتمل أن يكون إدراكها إضافة ما للمدرك إليها.
اعترضه أفضل المحققين : بأنّ الإدراك معنى واحد (١) ، إنّما يختلف بإضافته إلى الحس أو العقل ، فإذا دلّت ماهيته في موضع على كونه أمرا غير مضاف عرضت له الإضافة ، علم قطعا إنّه ليس نفس الإضافة أينما كان.
وفيه نظر ، لأنّا نمنع كون الإدراك معنى واحد ، فإنّ التعقل لا يفتقر حصوله إلى حضور مادة بخصوصيتها بخلاف الإدراكات الجزئية.
الخامس : لو كان التعقل لأجل انطباع المعقول وصورته في العاقل ، لكنّا إذا عقلنا أنّ السواد يضاد البياض ، يلزم أن تنطبع صورة السواد والبياض فينا ، ويلزم أن يكون محلّ السواد والبياض واحدا ، لأنّا حكمنا بالتضاد بينهما ، والقاضي على الشيئين لا بدّ وأن يحضره المقضي عليهما ، لكنّهما منافيان لذاتيهما.
__________________
(١) أي أنّ إدراك الموجودات والمعدومات بمعنى واحد فكما نحتاج في إدراك المعدومات والممتنعات إلى ارتسام الصورة فكذلك في ادراك الموجودات.