لهما في الصغر والكبر من حيث ذاتيهما ، أو لاحتمال أن يكون المنطبع أصغر مقدارا من السماء. وذلك غير قادح في المساواة بحسب الصورة ، فإنّ الكبير والصغير من الإنسان متساويان في الصورة الإنسانية ، ولمّا لم يكن ذلك محالا ، فمجرّد الاستبعاد الذي ادعاه لا يقتضي بطلانه.
على أنّ هذا الاستبعاد ليس بوارد على القول بأنّ الإدراك إنّما يكون بصورة مطلقا ، بل غاية ما في الباب ، أنّه يرد على القائلين : بأنّ الإبصار إنّما يكون بانطباع صورة في الرطوبة الجليدية ، والتخيل يكون بانطباع صورة في الآلة الجسمانية الموضوعة للتخيل. ولا يرد على سائر الإدراكات الجسمانية (١) والعقلية ، ولا في الموضعين المذكورين أيضا على القائلين بالشعاع ، أو على من يذهب مذهب الشيخ أبي البركات في القول ، بأنّ الصورة المتخيلة تنطبع في النفس. (٢)
وفيه نظر ، فإنّ التعقل إذا كان إضافة بين العالم والمعلوم أو صفة حقيقية يلزمها الإضافة أو صورة مساوية للمعلوم في العالم ، لا بدّ من فرض ما يتعلّق به العلم وتحقّقه في نفسه لا في العلم المفتقر إلى تحقّق هذا الفرض ، ولو لا ذلك لم يبق فرق بين الأحكام الصحيحة والباطلة فيما لا وجود له في الخارج ، كما نقول شريك الباري ممتنع ، والجسم ممتنع. فإذن المعلوم أي شيء كان يجب أن يكون له تحقّق في نفس الأمر ، حتّى يتعلّق به العلم على ما يقف عليه. وهنا بحث معرفة الفرق بين الثابت في نفس الأمر والثابت في الخارج وسنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.
واستبعاد كون الصورة المدركة ثابتة في جسم غائب ، ليس في موضعه ، فإنّ محققي الأوائل ذهبوا إلى ثبوتها في العقل الفعّال ، فأيّ فارق بين الأمرين؟ إلّا بكون
__________________
(١) كالسمع والشم والذوق واللمس ؛ لانّها لا تحس إلّا بأشياء صغيرة ، فلا يلزم انطباع الكبير في الصغير.
(٢) نفس المصدر.