وهذا الكلام على طوله لا يفيد شيئا ؛ لأنّ هذا إنّما يرد على من يجعل المضاف الذي هو المقولة مضافا بإضافة أخرى. وإلزام التسلسل ليس من هذه الحيثية ، بل من حيثية أخرى، وهي أنّ الأبوة مثلا من حيث هي أبوة ، ماهية تعقل بالقياس إلى الابن ، ثمّ إنّها عارضة لموضوع هو ذات الأب ، فعروضها للأب وحلولها فيه ليس هو نفس كونها أبوة ؛ لأنّ الأبوة إضافة بالقياس إلى البنوة لا إلى ذات الأب ، وعروض الأبوة للأب وحلولها فيه إضافة بالقياس إلى المحل الذي هو الأب.
فإذن عروض الأبوة للأب حالة زائدة عليها عارضة لها وهلمّ جرا إلى غير النهاية.
قال أفضل المتأخرين : «هذا الاعتراض غير متوجِّه ؛ لأنّ غايته بيان أنّ الأبوة موصوفة بإضافة أخرى ، وهي العروض للموضوع ، ولكن لم قلتم : إنّ العروض للموضوع لا بدّ له من إضافة أخرى؟ وذلك لأنّ الأمر المقول بالقياس إلى الغير إن كان له مفهوم آخر وراء تلك المقولية ، فحينئذ لزم الحكم بالتغاير ، وإن لم يكن له مفهوم وراء تلك المقولية امتنع الحكم بالتغاير. فهاهنا لمّا رأينا الأبوة عارضة للموضوع وكان مفهوم الأبوة غير مفهوم العروض للموضوع لا جرم حكمنا بتغايرهما واعترفنا بأنّ الأبوة عرضت لها إضافة ، وهي كونها عارضة لموضوعها. فأمّا (١) العروض للموضوع فليس له مفهوم وراء ذلك ، فلا يلزم أن يكون للعروض للموضوع عروض آخر للموضوع حتى يلزم التسلسل ، بل يكون ذلك العروض للموضوع عارضا للموضوع لذاته ونفسه لا لغيره ، فاندفع التسلسل» (٢).
وفيه نظر ، فإنّ عدم التغاير في المفهوم النوعي لا يمنع التسلسل بالنظر إلى
__________________
(١) في المصدر : «وامّا».
(٢) المباحث المشرقية ١ : ٥٦١ ـ ٥٦٢.