يوجدان البتة ؛ لأنّ امتناع اللازم يقتضي امتناع الملزوم.
السادس : لو كانت الأبوة موجودة لقامت بالأب ؛ لأنّه هو الموصوف بها ، فإمّا أن تقوم بجميع أجزاء الأب أبوة واحدة فيلزم انقسامها بانقسام الأب ؛ لأنّ كلّ واحد من الأجزاء إمّا أن يحلّ فيه شيء من الأبوة ، أو جميع الأبوة ، أو لا يحل فيه شيء منها البتة. ويلزم من الأوّل الانقسام ، فللأبوة نصف وثلث كما للأب ذلك ، وهو ضروري البطلان. والثاني يلزم منه حلول العرض الواحد في أزيد من محل واحد ، وهو باطل بالضرورة. والثالث يقتضي أن لا يكون المحلّ محلا ، أو تقوم (١) بكلّ جزء أبوة فيلزم حلول العرض الواحد في محالّ متعددة إن كانت الأبوة واحدة بالعدد ؛ وأن تكون هناك أبوّات كثيرة فلا يكون الأب أبا بل آباء متعددة ، وهو محال ؛ وأن يكون كلّ جزء من الأب أبا ، وهو محال أيضا إن كانت الأبوة كثيرة بالعدد. ثمّ إضافة كلّ واحدة من هذه الأبوات إن كان لها بنوة واحدة لزم تعدد إحدى الإضافتين دون الأخرى ، وهو محال. أو إلى بنوات متعددة ، فلا أولوية في اختصاص بعض الأبوات بالإضافة إلى بعض البنوات إن تساوت. وإن اختلفت لم يكن مفهوم الأبوة ولا مفهوم البنوة واحدا ، وتكثرها بالنوع غير معقول.
وقد احتج المثبتون بأنّا نعلم بالضرورة أنّ السماء فوق الأرض ، فهذه الفوقية إمّا أن تكون مجرّد عمل العقل من غير أن يكون لها في الخارج مطابقا ، وإمّا أن تكون ثابتة في الخارج. والأوّل باطل ؛ لأنّ ما لم يكن له في الخارج اعتبار لم يدخل فيه الصدق والكذب ، فإنّه لو قال القائل : أنا أفرض الخمسة زوجا ، لم يجب تكذيبه ؛ لأنّه أخبر عن عمل عقله لا عن الشيء في نفسه ، فكذا هنا كون السماء فوق الأرض إن كان شيئا بحسب عمل العقل لم تكن هذه القضية واجبة الصدق ولا ضدها واجب الكذب ، وبطلان التالي يدل على بطلان المقدم ، وهو أنّ كون
__________________
(١) عطف على قوله «فإمّا أن تقوم بجميع أجزاء الأب ...».