دافعا للتسلسل الذي ألزموهم المتكلّمون به ، اعترف بثبوت ما لا يتناهى من الأعراض والنسب والإضافات يقوم كلّ منهما بالآخر.
وأبطله المتكلّمون بامتناع وجود ما لا نهاية له ، فإنّ كل عدد موجود فله نصف ، وذلك النصف أقلّ من الكل ، وكلّ ما كان أقلّ من غيره فهو متناه ، فيكون النصف متناهيا ، فيكون الكل متناهيا ، لأنّ ضعف المتناهي متناه.
ومنع معمر كلّ عدد له نصف ، وإنّما ذلك في العدد المتناهي لأنّه من خواصه ، لا في غير المتناهي. ومع تسليم النصف ، لكنّه لا يلزم من أقلية النصف تناهيه ، فإنّ مقدورات الله تعالى أقل من معلوماته. وتضعيف الألف مرارا لا نهاية لها أقلّ من تضعيف الألفين مرارا لا نهاية لها مع عدم تناهيها.
قال أفضل المحقّقين : «غير المتناهي لا يصير متناهيا بنقصان شيء منه. والشيء ربما يكون متناهيا من وجه وغير متناه من وجه ، فتلحقه (١) خواصُّ المتناهي من الوجه الأوّل وغير المتناهي من الوجه الآخر ، وهذا كتضعيف الألف والألفين مرارا لا نهاية لها ، فيكون أحد غير المتناهيين نصفا للآخر ، ولا يلزم منه تناهي أحدهما» (٢).
وفيه نظر ، فإنّ الحكماء استدلوا على التناهي ببرهان التطبيق ، وليس هو إلّا عبارة عن نقصان شيء عن شيء. وكون الشيء متناهيا من وجه دون وجه ، إنّما يكون في امتداد غير متناه من أحد الطرفين غير متناه من الآخر لا في اعداد لا ترتيب لها وضعا ولا عقلا.
__________________
(١) في المصدر : «تلحقه».
(٢) نفس المصدر.