والأوّل يستلزم اتحاد النفس مع جميع المعقولات لكنّها غير متناهية فيكون ما لا يتناهى من الماهيات شيئا واحدا ، وهو محال ؛ لاستحالة أن يكون الشيء الواحد حقيقتان مختلفتان ، فكيف تكون له حقائق مختلفة غير متناهية؟ ولأنّه مع القول باتحاد العاقل بالمعقول يستلزم القول باتحاد جميع المعقولات ، وهو معلوم البطلان بالضرورة.
وأيضا إذا عقل العاقل (الف) فإمّا أن تبطل النفس عند تعقل (الف) أو لا تبطل. فإن بطلت النفس فلا بدّ من حدوث غيرها ، وإلّا لم يكن هناك شيء متعقل ، وإذا بطلت حال التعقل لم يكن في تلك الحالة متحدة بالمعقول بل ولا عاقلة له ، ولا تكون المتجددة عاقلة أيضا لعود البحث إليها ، مع أنّ الضرورة تقضي ببطلان هذا ، فإنّ العالم شيء ثابت قبل العلم ومعه وبعده.
وإن لم تبطل النفس مع أنّها قد تغيرت إذ هو التقدير كان التغير في حال من أحوال النفس لا في ذاتها ، بل ذاتها باقية في الحالين ، وذلك غير منكر إذ هو كسائر الاستحالات ، ليس على ما يقولون.
ولأنّ النفس لو اتحدت بالمعقول فإمّا أن تتحد كلّها به ، فلا تعقل غيره ، وإلّا لاتحدت المعقولات كما تقدّم ، فكلما عقله واحد عقله كلّ واحد أو بعضها فيلزم انقسامها ، وتعود المحالات المذكورة. ولأنّه إن كان للقدر الأوّل الذي وقع به الاتحاد تعيّن بحيث لا يزيد ولا ينقص ، لزم وجوده قبل التعقل ، لكن النفس يمكنها تعقلات غير متناهية فيشتمل على أجزاء بالفعل غير متناهية ، ويكون ذات مقدار ، وهو محال. وإن لم يكن لزم قبولها للقسمة والاتحاد فيكون كمّا. ولأنّه إذا عقلت صورة لم يكن تقدير البعض أولى مما هو أزيد منه أو أنقص ، وكلّ ذلك محال.
ويدل على إبطال الثاني بخصوصيته أنّ العقل الفعال إمّا أن يكون شيئا