واحدا بعيدا عن التكثر ، أو يكون ذا أجزاء وأبعاض. والأوّل يوجب أن تكون المتحدية لأجل تعقل واحد أن تعقل جميع المعقولات ؛ لأنّ العقل الفعال عاقل لجميع المعقولات ، والمتحد بالعاقل لجميع المعقولات عاقل لها ، وإلّا لم يصيرا واحدا ، أو إن كان ذا أبعاض تتحد النفس عند تعقلها معقولا واحدا ببعض تلك الأبعاض ، وجب أن يكون للعقل الفعال بحسب كلّ تعقل ممكن الحصول لإنسان واحد جزء ، لكن التعقلات التي يقوى عليها البشر غير متناهية.
ثمّ إنّ كلّ واحد من تلك التعقلات يمكن فيه حصول أعداد غير متناهية ، فيكون كلّ واحد من تلك الأجزاء مركبا من أجزاء نوعية غير متناهية. فإذن العقل الفعال مركّب من أجزاء مختلفة الحقائق غير متناهية ؛ لأنّ المعقولات المختلفة الماهية غير متناهية.
ثمّ كلّ واحد من تلك المعقولات يمكن حصولها للأنفس الغير المتناهية ، فيكون تعقل زيد للسواد مثل تعقل عمرو. فإذن للعقل الفعال بحسبها أجزاء غير متناهية متحدة في النوع ، فللعقل الفعال أجزاء غير متناهية ، لا مرّة واحدة بل مرارا غير متناهية ، ولا مختلفة بالنوع بل متحدة به ، فتلك المتحدات بالنوع لا تتمايز بالماهية ولوازمها ، بل بالعوارض ، وذلك بسبب المادة. والعقل الفعال مجرّد فأجزاؤه مجرّدة ، فهي غير متميزة بالعوارض ، فلا تكون متكثرة ، فهو بسيط وقد كان مركبا ، هذا خلف.
وأيضا النفسان إذ عقلتا معقولا واحدا حتى اتحدتا بالعقل الفعال ، فإمّا أن يكون الذي اتحدت به إحدى النفسين هو الذي اتحدت الأخرى به فيلزم اتحاد النفسين ، فكل ما عقله زيد عقله عمرو ، فيلزم أن يكون كلّ عاقل عقل شيئا وعقل آخر ـ إمّا ذلك الشيء أو غيره ـ أن يتساويا في تعقل جميع الأشياء ، وهو معلوم البطلان ، أو يكون متغايرا ، فيكون للعقل الفعال بحسب التعقلات غير المتناهية