أجزاء غير متناهية مختلفة ، فيكون له بحسب كلّ واحد من الأفراد غير المتناهية التي للنوع أجزاء غير متناهية ، لا مرة واحدة بل مرارا غير متناهية ، وهو محال لذاته. ولأنّ الامتياز بين الأمور المتخالفة إمّا بالماهية أو اللوازم أو العوارض ، والكلّ منتف هنا.
وهؤلاء قالوا : إنّ النفس إذا عقلت شيئا فإنّما تعقل ذلك الشيء باتصالها بالعقل الفعال ، واتصالها بالعقل الفعال هو أن تصير هي نفس العقل الفعال ؛ لأنّها تصير العقل المستفاد ، والعقل الفعال هو نفسه يتصل بالنفس ، فيكون العقل المستفاد. وصدّقهم الرئيس في الاتصال بالعقل الفعال.
ونحن نقول : إنّه يمتنع تحقّق الاتصال بالمعنى الذي ذهبوا إليه من الاتحاد به وبالمعنى الذي يكون بين الأجسام ، بل المراد به الاستعداد التام للنفس لقبول فيض المعارف منه.
قال الرئيس : كان لهم رجل يعرف بفرفوريوس (١) عمل في العقل والمعقولات كتابا يثني عليه المشّاءون ، وهو سخف (٢) كلّه ، وهم يعلمون من أنفسهم أنّهم لا يعلمونه ولا فرفوريوس نفسه ، وقد ناقضه من أهل زمانه رجل وناقض هو ذلك المتناقض ، بما هو أسقط من الأوّل. (٣)
ومع هذا التشنيع العظيم من الرئيس على فرفوريوس ذهب إلى قوله باتحاد النفس بالصورة المعقولة عند تعقلها إياها ، فإنّه قال : بهذه العبارة (كلّ صورة
__________________
(١) ـ porphurios ـ من مشاهير فلاسفة الاغارقة ، تولد في «تيروس» في سوريا عام (٢٣٢ م) وتوفّي في الروم عام (٣٠٤ م) وكان مفسّرا لكلمات بلوتاينوس (افلوطين) ومؤلفا لإيساغوجي) Eisagoge (وهو المدخل لمقولات أرسطو طاليس وقد كان على رأيه في جميع ما ذهب إليه. راجع الملل والنحل للشهرستاني ٢ : ١٥٥ ـ ١٥٨ ؛ نخستين فيلسوفان يونان للدكتور شرف الدين الخراساني : ١٧٤.
(٢) وفي المصدر : «حشف» بمعنى أردأ التمر ، ويقال أيضا للضرع البالي.
(٣) شرح الإشارات ٣ : ٢٩٥.