وإن لم يكن لها حصول في الحيز لا على سبيل التبعية ولا على سبيل الاستقلال لم يكن لها اختصاص بجهة البتة بل كانت مجردة مع أنّ الجسمية مختصة بحيز معين ، لاستحالة وجودها مجردة عن الحيز وحصولها في كلّ الأحياز والترجيح من غير مرجح ، وحينئذ يمتنع حلول الجسمية المختصة بحيز فيها ، للعلم الضروري بأنّ ما يختص بالجهة بالذات بالحيز يمتنع حلوله فيما لا اختصاص له بتلك الجهة لا بالذات ولا بالتبعية. فالقول بحلول الجسمية في محل يؤدي إلى أقسام باطلة ، فيكون القول به باطلا.
الوجه الثاني : لو كان الجسم مركبا من أمرين لكانا ذاتيّين له ، فكان يجب أن يكون العلم بهما سابقا على العلم بالجسم ، فيجب في العالم بالجسم أن يكون عالما بتركّبه منهما من غير برهان ، لأنّ من شرط الذاتي أن لا يحتاج في إثباته للذات إلى برهان.
اعترض (١) : بأنّ هذا إنّما يلزم لو عقلنا تمام ماهية الجسم ، فأمّا إذا لم نعقله بحقيقته بل بعارضه ، وهو أنّه شيء قابل للأبعاد الثلاثة فلا ؛ لأنّ ذلك لازم لأحد جزئيه أعني الصورة ، فإنّ قبول الأبعاد لازم من لوازم الصورة ، وظاهر بيّن عند العقل أنّ هذا القدر لا يقتضي العلم بجميع أجزاء الجسم.
واعترض أفضل المحقّقين على الأوّل : بأنّها (٢) مشتملة على أقسام غير منحصرة ، فإنّ ما لا يتحيز على سبيل الحلول في الغير لا يجب أن يكون متحيزا بالانفراد ، بل ربما يتحيز بشرط حلول الغير فيه ، ولا يلزم من ذلك كونه صفة لذلك الغير (٣).
__________________
(١) المعترض هو الرازي ، راجع المباحث ٢ : ٥٣.
(٢) أي الحجة.
(٣) شرح الإشارات ٢ : ٤٧.