بالقوة لا بالفعل ، لأنّ الإنسان يجد من نفسه قوة بديهية بين الحالتين ، فإنّه قبل سماعه لتلك المسألة كان عالما بها بالقوة ، وبعد سماعه لم يبق كما كان ، بل حصل في ذهنه شعور وعلم لم يكن حاصلا قبل ذلك.
لا يقال : مراتب القوة مختلفة بالقرب والبعد ، فجاز أن يكون التفاوت هنا بسبب أنّ علمه قبل السؤال كان بالقوة البعيدة ، وبعد سماعه لذلك السؤال صار بالقوة القريبة.
لأنّا نقول : من المعلوم أنّه بعد سماعه لذلك السؤال عالم على سبيل التفصيل أنّه قادر على الجواب عن ذلك السؤال ، والعلم باقتداره على الجواب علم بإضافة أمر إلى أمر ، والعلم بإضافة شيء إلى شيء متوقف على العلم بكلّ واحد من المضافين ، فلو لا علمه بحقيقة ذلك الجواب لاستحال أن يعلم اقتداره على ذلك الجواب. فثبت أنّه عالم بحقيقة ذلك الجواب ، وأنّ ذلك العلم حاصل بالفعل لا على سبيل التفصيل ، بل على الوجه البسيط.
واعترض أفضل المتأخرين : بأنّ العلم إمّا أن يكون بالقوة ، وإمّا أن يكون بالفعل على التفصيل. (١)
فأمّا القسم الثالث : وهو البسيط ، فلا تحقّق له ؛ لأنّ العلم عندهم عبارة عن حضور صورة المعقول في العاقل ، فهذا العقل البسيط إن كان صورة واحدة مطابقة في الحقيقة لأمور كثيرة فهو باطل ؛ لأنّ الصورة العقلية الواحدة لو طابقت أمورا كثيرة لكانت مساوية في الماهية لتلك الأمور الكثيرة المختلفة في الحقيقة ، فتكون لتلك الصورة حقائق مختلفة ، فلا تكون الصورة الواحدة واحدة.
فإن قيل : بأنّ لهذا التعقل البسيط صورا مختلفة بحسب اختلاف
__________________
(١) المباحث المشرقية ١ : ٤٥٦.