ملحوظا بالفعل ولا معتبرا ، بل يكون مغفولا عنه ، وهو الذي أشار إليه الرئيس بالمرتبة الوسطى. فإن أنكرها أفضل المتأخرين فهو مكابر (١) ، وإن اعترف بإثباتها ولم يسمّها علما بالفعل بل بالقوة رجع النزاع إلى اللفظ. وإن ادّعى الرئيس أنّها حاصلة بالفعل فهو مكابر.
واعلم (٢) أنّ النفس الناطقة عند الأوائل وبعض المتكلمين : جوهر مجرّد له قوى وكمالات خلقه الله تعالى خاليا عن جميع العلوم وقابلا لها وله قوّة التعقل. وهذا التعقل إمّا أن يكون باعتبار تأثير هذا الجوهر في البدن الموضوع لتصرفاته مكملا له تأثيرا على جهة الاختيار والإرادة ، وإمّا أن يكون باعتبار تأثرها عمّا فوقها مستكملة في جوهرها بحسب استعدادها ، والأولى تسمى عقلا عمليا ، والثانية تسمى عقلا علميا ، والعقل يطلق على هذه القوى باشتراك الاسم أو تشابهه.
والعقل الاختياري الذي يختص بالإنسان لا يتأتى إلّا بإدراك ما ينبغي أن يعمل في كلّ باب وهو إدراك رأي كلّي مستنبط من مقدمات كلّية أوّلية ، أو تجريبية ، أو ذائعة ، أو ظنية يحكم بها العقل النظري ، ويستعملها العقل العملي في تحصيل ذلك الرأي الكلي من غير أن يختص بجزئي دون غيره. والعقل العملي يستعين بالنظري في ذلك. ثمّ إنّه ينتقل من ذلك باستعمال مقدمات جزئية أو محسوسة إلى الرائي الجزئي الحاصل فيعمل بحسبه ، ويحصل بعمله مقاصده في معاشه ومعاده.
__________________
(١) أي معاند ومانع مقتضى عقله.
(٢) قارن : شرح الإشارات ٢ : ٣٥٢ ؛ الفصل الخامس من الفن السادس من طبيعيات الشفاء ؛ طبيعيات النجاة : ١٦٣ ـ ١٦٦ ؛ التحصيل لبهمنيار مع تصحيح وتعليق للشهيد مرتضى المطهّري : ٧٨٩.