وأمّا القوة النظرية فلها مراتب متعددة بحسب تعدد مراتبها في الاستكمال ، وتلك المراتب تنقسم إلى ما يكون باعتبار كونها كاملة بالقوة ، وإلى ما يكون باعتبار كونها كاملة بالفعل. والقوة تختلف بحسب الشدة والضعف. فأوّل تلك المراتب كما يكون للطفل من قوّة الكتابة (١) ، وأوسطها كما يكون للرجل الأمي المستعد لتعلم الكتابة ، وآخرها كما يكون للعالم بالكتابة القادر عليها الذي لا يكتب لكن له أن يكتب كما شاء.
فقوة النفس المناسبة للمرتبة الأولى تسمى عقلا هيولانيا ، تشبيها لها حينئذ بالهيولى الأولى الخالية في نفسها عن جميع الصور مع استعدادها لقبولها ، وهي حاصلة لجميع أفراد نوع الإنساني في مبدأ فطرتهم.
وأمّا القوة المتوسطة المناسبة للمرتبة المتوسطة ، فإنّها تسمى عقلا بالملكة ، وذلك إنّما يكون إذا حصلت للنفس البديهيات التي هي المعقولات الأولى ، واستعدت بواسطة ذلك لتحصيل المعقولات الثانية التي هي العلوم النظرية المكتسبة بالفكر أو الحدس.
وتختلف مراتب الأشخاص البشرية في تحصيلها كمّا وكيفا ، أمّا بحسب
__________________
(١) قال السبزواري في منظومته :
كقوّة الطفل ومن ترعرعا |
|
لصنعة وماهر ما صنعا |
فما هو استعداد الأوّلي |
|
سمّي بالعقل الهيولانيّ |
وعقل استعداد كسب المدركة |
|
من أوّليّات له بالملكة |
بالفعل ذو استعداد الاستحضار |
|
للنظريّات بلا انظار |
والعقل حيث انعدم استعداد |
|
واستحضر العلوم مستفاد |
شرح المنظومة ، قسم الحكمة ، ص ٣١١ ـ ٣١٢. راجع أيضا مراتب العقل النظري ، كليات أبي البقاء : ٤٥١ ـ ٤٥٢ ؛ المعتبر في الحكمة لأبي البركات البغدادي : ٤٠٧ ـ ٤١٣.