الكمّ فبكثرة المتعقلات النظرية وقلّتها ، وأمّا بحسب الكيف فبسرعة الحصول وبطئه (١) ، فإنّ من الناس من يحصّل العلوم الكسبية لشوق بالنسبة إليها يبعثها على حركة فكريّة شاقّة في طلب تلك المعقولات ، وهو من أصحاب الفكرة. ومنهم من يظفر بها من غير حركة ، إمّا مع شوق ما إليها أو لا مع شوق ، وهو من أصحاب الحدس. وتتكثر مراتب الصنفين ، وصاحب المرتبة الأخيرة ذو نفس قدسية.
والفرق بين الحدس والفكر ظاهر ؛ فإنّ الفكر هو حركة ما للنفس في المعاني مستعينة بالتخيل في أكثر الأمر ، يطلب بها الحدّ الأوسط أو ما يجري مجراه ممّا يصار به إلى العلم بالمجهول حالة الفقد استعراضا للمخزون في الباطن ـ من الصور الجزئية والمعاني الجزئية المخزونتين في الخيال والذاكرة ـ وما يجري مجراه من الصور العقلية ، فربما تأدت إلى المطلوب وربما انبتّت. (٢)
وإنّما استعان الفكر بالتخيل في أكثر الأمر ؛ لأنّه يقع في الأكثر في الجزئيات ، وإذا وقع في الكليات استعان بالتفكّر ، وهما متغايران بالاعتبار.
فالفكر (٣) حركة في المعاني للنفس ـ بالقوة التي آلتها مقدّم البطن الأوسط من الدّماغ المسمى بالدودة ـ أيّ حركة كانت إذا كانت تلك الحركة في المعقولات ؛ لأنّها في المحسوسات تسمى تخيلا ، سواء كانت الحركة من المطالب إلى المبادئ التي هي الحدود الوسطى وغيرها ، أو من المبادئ إلى المطالب ، فربما تأدت تلك الحركة من المطالب إلى المبادئ فتتم حينئذ بحركة أخرى من الحدود الوسطى التي هي المبادئ إلى المطالب ، وربما انبتّت.
__________________
(١) فانّ من الناس من يصل فكره إلى المطلب في زمان قليل ومنهم من يصل إليه في زمان طويل.
(٢) أي انقطعت عن المطلوب ولم تصل إليه. لسان العرب ١ : ٣٠٨ ؛ الصحاح ١ : كلمة بتّ.
(٣) قارن شرح الإشارات ١ : ١٠ ـ ١١.