المقدمة الأولى : نفي التعلق بينهما (١) ، لانتفاء تعلّق الفعل بفاعله ، إذ ليس الجسم فاعلا للسواد ولا بالعكس ، فلم يبق بينهما إلّا تعلّق الحاجة أو تعلق الايجاب. وليس بينهما تعلق الحاجة (٢) ؛ لأنّ تعلق الحاجة : إمّا أن يكون في نفس الوجود ، أو في بعض الصفات الثابتة له ، أو في بعض الأحكام له.
وليس بينهما تعلق الحاجة في الوجود ، فإنّ اللون محتاج إلى الجوهر ولا يجوز في الجوهر أن يحتاج إلى اللون ، وإلّا دار. ولا ينتقض بالكون ؛ لأنّ الجهة هناك مختلفة ، فانّ الكون يحتاج في وجوده إلى ذات الجوهر ، والجوهر يحتاج في كونه كائنا إليه ، ولا يمكن مثله هنا. فيقال : نجعل وجه الحاجة في الجوهر واللون مختلفا بأن يحتاج اللون إلى تحيز الجوهر والجوهر يحتاج إلى وجود اللون ؛ لأنّه إذا احتاج إلى تحيز الجوهر احتاج إلى وجوده من حيث يحتاج في التحيز إلى الوجود. ولأنّ الجوهر لو احتاج في وجوده إلى اللون لوجب أن يصحّ وجود اللون من دون الجوهر ؛ لأنّ من حقّ المحتاج إليه صحّة وجوده مع عدم المحتاج ، كالعلم والحياة وما يحتاج إليه من البنية (٣). ولو لا ذلك لم ينفصل المحتاج من المحتاج إليه حيث كان لا يصحّ وجود المحتاج إليه من دون المحتاج.
وليس بينهما تعلّق الحاجة (٤) في بعض الصفات ؛ لأنّ اللون يقع على الشيء ،
__________________
(١) أنظر تفصيل البحث في كتاب المسائل في الخلاف بين البصريين والبغداديين للنيسابوري : ٢٥ ، المطبوع قسم منه ضمن كتاب التوحيد.
(٢) أنظر تفصيل هذا الدليل من أوّله إلى آخره في كتاب التوحيد للنيسابوري : ١٥٠ وما يليها.
(٣) قال النيسابوري في كتاب التوحيد : «كما بيّنا في العلم والقدرة أنّهما يحتاجان في وجودهما إلى الحياة ، فلا جرم أنّه يصحّ وجود الحياة من دونهما» : ١٥١. وقال في المسائل : «ألا ترى أنّ الحياة لما احتاجت في وجودها إلى وجود البنية صحّ وجود البنية مع عدم الحياة» : ٢٨.
(٤) م : «للحاجة».