للجوهر صفة سوى الأربع ، لانتفاء الطريق إليها ، ولو جوزناه لأدى إلى كلّ جهالة.
الثالث : يجب للجوهر إذا حصل له الوجود أن يكون كائنا في جهة ، بمعنى أنّه يحصل موجودا على حدّ لو كان هناك غيره إمّا أن يقرب منه أو يبعد عنه أو يكون يمينا أو يسارا أو غيرهما من الجهات الست (١) دون أن يحصل بحيث هو. وهذا أولى من قولهم : يوجد في مكان ، لأنّ المكان هو ما يقل الثقيل ويمنع ثقله من توليد الهبوط. ومن قولهم : المحاذاة لأنّه نسبة ، فإنّ التقابل والمحاذاة إنّما يفهم بين اثنين ، ولا يتحقّق في الجوهر الواحد.
وللجوهر بكونه كائنا في جهة حالة كماله حالة بالوجود والتحيز وغيرهما ، لاستحالة كونه في مكانين في وقت واحد. وليس لهذه الاستحالة وجه إلّا أنّه يحصل على صفتين ضدّين بكونه في جهتين ، فلو لم يختص في كونه كائنا في جهة بحال لم يكن ليستحيل ذلك. فأشبه هذا ما نقوله في إثبات الحال للعالم بكونه عالما : إنّه لمّا استحال أن يكون عالما بالشيء جاهلا به ، وإن تغاير محلّ العلم والجهل ، دلّ هذا على أنّ له بكونه عالما حالا.
الرابع : ليس للجوهر بكونه معدوما حال ، خلافا لأبي عبد الله البصري. نعم يثبت له بكونه معدوما حكم ؛ لأنّه عند عدمه يصحّ من القادر عليه إيجاده والفرق بينه وبين ما لا يصحّ إيجاده يرجع إلى حكم.
وكلام أبي عبد الله البصري (٢) باطل ؛ لأنّه لو ثبت له بكونه معدوما حال
__________________
(١) أنظر تعريف الجهات الست في الفصل الثالث عشر من المقالة الثالثة من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء ١ : ٢٤٦ ؛ شرح الإشارات ٢ : ١٧٠ ـ ١٧١.
(٢) أحد شيوخ القاضي عبد الجبار (٣٠٨ ـ ٣٩٩ ه).
قال الرازي : «اختلفوا (المعتزلة) في أنّ المعدوم هل له بكونه معدوما صفة؟ فالكل أنكروه ، إلّا أبو عبد الله البصري ، فانّه قال به» ، نقد المحصل : ٨٤.