لضادت صفة الوجود ، فكنا لا نعلم ضرورة أنّ المعلوم إمّا أن يكون موجودا أو معدوما ؛ لأنّ الضرورة لا طريق لها في أنّ الذات لا تخرج عن صفتين إلى ثالث ، وإنّما يعلم ذلك بتأمل ونظر. فوجب إذا حصل العلم الضروري بما ذكرنا أن يكون المرجع بالمعدوم إلى أنّه معلوم ليس له صفة الوجود وللضرورة مدخل في مثل ذلك ؛ لأنّا نعلم أنّ الذات إمّا أن تكون لها صفة الوجود أو ليس لها صفة الوجود ، فإذا كان الكلام في ثبوت صفة وانتفائها أمكن فيه ما لا يمكن في إثبات صفتين.
لا يقال : هلا جعلتم للمعدوم بكونه معدوما صفة ويرجع بالموجود (١) إلى ما انتفت عنه هذه الصفة؟
لأنّا نقول : لا نعلم الموجود أوّلا ثمّ نعلم المعدوم ، كما نعلم الإثبات ثمّ نعلم النفي ، ولو كان كما قلتم لكنّا نعلم المعدوم أوّلا ، لأنّ العلم بانتفاء الصفة فرع على العلم بثبوتها.
الخامس : قالوا : صفات الجوهر لا يصحّ فيها التزايد إلّا في كونه كائنا ، فإنّه يتزايد عند كثرة الأكوان ؛ لأنّ المعاني إذا كثرت لم يصحّ أن تشرك في اقتضاء صفة واحدة ، بل لا بدّ من تزايد الصفات لتزايدها. وإنّما منعنا من صحّة وقوع التزايد في كونه جوهرا ومتحيزا ؛ لأنّ الجوهر يستحق كونه جوهرا لنفسه ، فلو تزايدت الصفة له بكونه جوهرا لكان قد استحق صفتين مثلين للنفس ، وهو يقتضي أن يصير مثلا لنفسه ، لأنّ هذه الصفة الزائدة لو أنّها حصلت لذات أخرى لماثلته لها (٢) ، فإذا حصلت له وجب أن يصير مثلا لنفسه ، وإن حصلت الصفتان مختلفتين أدى إلى أن يصير مخالفا لنفسه.
__________________
(١) في النسخ : «بالوجود» ، ولعلّ الصواب ما أثبتناه.
(٢) كذا في النسخ ، ولعلّ الصواب : «لما ثبت له» طبقا للمعنى.