مستندا لا عن سبب يتولد عنه ، لأنّ كلّ سبب يدعى توليده له لا يخرج عن وجهين : فإمّا أن يولد لاختصاصه بجهة كالاعتماد ، ولا حظّ له في توليده لما تقدم. وإمّا أن لا يختص بجهة فيولد في محله ، وهو يقتضي صحّة اجتماع جوهرين في حيز واحد.
لا يقال : جاز وجود معنى لا في محل يولد الجوهر.
لأنّا نقول : إذا وجد لا في محلّ زال الاختصاص فيه فليس بأن يولد الجوهر في جهة أولى من غيرها ، فإمّا أن لا يولده أصلا أو يولده في جميع الجهات. ومن هنا تبين أنّ الحيز لا يولد مثله ، لأنّه إذا لم يكن هناك اختصاص لتوليده لم يكن توليده في جهة أولى من غيرها ، بل الأولى أن يولد حينئذ في جهة نفسه.
التاسع : كما أنّ الجوهر لا يتولد عن شيء من الأجناس لم يصحّ أن يولد غيره من الأجناس. أمّا المعاني التي يجوز خلو الجوهر عنها فظاهر عدم توليده لها ، وأمّا الكون فلا يصحّ أن يولده ، لأنّا قادرون على الكون فلو ولده الجوهر لقدرنا على الجوهر ، لأنّ القادر على المسبب قادر على سببه.
العاشر (١) : الضرورة قاضية بامتناع حصول الجوهر في مكانين في وقت واحد. والمحيل له عند المعتزلة هو أنّ اجتماع الضدين لمّا استحال وكان الكونان في المكانين ضدّين وجب أن يستحيل حصوله في جهتين (٢). وذهب أبو يعقوب البستاني إلى أنّ المحيل هو التحيز ، لأنّه منع من تضاد الأكوان.
__________________
(١) راجع ابن حزم ، الفصل (الكلام في المداخلة ...) ٥ : ١٨٤.
(٢) قال القاضي عبد الجبار : «ومحال في الوقت الواحد أن يكون (الجسم) ساكنا يمنة ويسرة ، لأنّ كونه في جهتين يتضاد ...» ، المحيط : ٤٥ (باب في إثبات الأعراض والأكوان).