لنقصانها وعدم استكمالها ، وأنّها بواسطة الإحساس تستكمل على التدريج لتحصل لها العلوم البديهية.
والحكم بالمساواة لا يستند إلى الحس ولا بغيرها ؛ لأنّ الحاكم بين الطرفين إنّما هو النفس ، لكن قد يكون مبدأ هذا الحكم الإحساس بالطرفين أو أحدهما.
والقضايا الضرورية المستندة إلى الحس أو التجربة لا يؤثر فيها التجويز العقلي المجرّد عن التجربة ، فإنّا نجزم بالضرورة أنّ كلّ نار حارة لانعقاد التجربة فيها وإن كان يجوز عقلا وجود نار لا تلزمه الحرارة ، ولا نفتقر في هذا الحكم إلى حصر العلة ، ولا إلى تعميم الإحساس بالكل.
الوجه الرابع (١)
قالوا : الجزم بالبديهيات ليس أقوى من الجزم بالمحسوسات ؛ لأنّ البديهيات فرع المحسوسات والفرع لا يكون أقوى من الأصل ، ثمّ إنّه لا يمكن الجزم بالمحسوسات ؛ لأنّ الحس إمّا أن يعتبر في الجزئيات أو في الكليات.
والثاني باطل ، فإنّ الحس لا يعطيها البتّة ، فإنّ الحس لا يشاهد إلّا هذا الكل وهذا الجزء. فأمّا وصف الأعظمية وهو أنّ الكلّ أعظم من الجزء فهو غير مدرك بالحس ، وبتقدير كون وصف الأعظمية مدركا بالحس ، لكن المدرك هو أنّ هذا الكل أعظم من هذا الجزء ، فأمّا أنّ كلّ كلّ أعظم من جزئه فغير مدرك بالحس ؛ لأنّ الحس إنّما يدرك بمشاركة الوضع ، والأمور الكلية مجرّدة عن الأوضاع.
ولو فرضنا أنّه أدرك كلّ ما في الوجود من الكلّات والأجزاء ، إلّا أنّ قولنا كلّ كذا كذا ، لا نريد منه أنّ كلّ ما دخل في الوجود الخارجي من أفراد الموضوع
__________________
(١) راجع نقد المحصل : ١٤ و ٢٦.